خبير، قطاع الرقابة على الأداء الحكومي ومدرب في ديوان المراقبة العامة والأمانة العامة لدول الخليج والمجموعة العربية لأجهزة الرقابة العليا (آربوساي). - مدرب مشارك في الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين وعضو في لجنة تطوير النظام المحاسبي في المملكة ، لدي العديد من البحوث والدراسات المنشورة في مجال المحاسبة والرقابة.
العلاج بالأدوية الشعبية أو ما يسمى بالأعشاب الطبيعية ظاهرة انتشرت بشكل كبير جدا في الآونة الأخيرة، كما ظهرت العديد من الكتب التي تحمل هذه العناوين وتدعم تلك الممارسات للأسف الشديد.
ويقول المدافعون إن الحديث عن مخاطر هذه الأدوية وما قد تسببه من آثار سلبية بصحة الإنسان لأنها “تهدد مصالح شركات الأدوية والأطباء والصيادلة، ولهذا كانت هناك حملات شديدة وواسعة لتشويه العاملين في هذا المجال والداعين إليه، والتشكيك في جدواه وفاعليته”.
وليس هذا فحسب، بل يرون أن التشكيك في هذه الأدوية والخلطات، تشكيك في “الطب النبوي”، و تشكيك في السنة النبوية من قبل أناس غير متخصصين وجهال!، ومن ثم تشكيك في الدين نفسه، كما يحاولون الربط بين هذه الأدوية وما يسمى بـ”الطب البديل”، ويسردون الأبحاث العلمية والطبية التي تثبت فعالية أدويتهم!.
والمشكلة أن القائمين على هذه العلاجات ليسوا متخصصين في مجال الطب ولا في علوم الصيدلة، ولا حتى في الطب البديل، كما أنهم لم يجروا أية أبحاث علمية ومخبرية مستفيضة على أدويتهم لمعرفة فعاليتها في العلاج وتحديد آثارها الجانبية.
وبالطبع لن نجد الأدوية الشعبية في الصيدليات ولا في المراكز الطبية المتخصصة، ولكن سنجدها في محلات العطارة، وفي بعض القنوات الفضائية، والمواقع التسويقية في الإنترنت، ويقول المدافعون إن سبب ذلك هو عدم استقبال وزارة الصحة لهذه الأدوية والخلطات ومن ثم عدم الترخيص لها، وكذلك بالنسبة لهيئة الغذاء والدواء بالرغم من خلوها من السميات!.
الغريب أن هذه الأدوية كما يزعمون تعالج أمراضا عديدة استعصت على الطب الحديث مثل السرطان والإيدز والتهاب الكبد الوبائي وغيرها من أمراض العصر، وكل معالج يدعي باحتفاظ الخلطة السرية لديه خشية جشع وطمع شركات الأدوية أو أن دواءه محارب من وزارة الصحة للأسباب المذكورة آنفاً.
ونتيجةً لما سبق، أصبح الكثير من الناس للأسف ضحايا للوهم والخرافة وضحايا للدجالين والمشعوذين، باسم الطب النبوي تارة، وباسم الطب البديل تارة أخرى، في ظل صمت الجهات المختصة والعلماء والمشايخ عن تبيان حقيقة هذه العلاجات الخطيرة.
فالناس على مجرى التاريخ عندما يعجز العلم عن تفسير الحوادث والظواهر الكونية، فإن الناس يفسرونها تفسيراً خرافياً، فكذلك بالنسبة للأمراض التي تصيب الإنسان ولم يصل علم الطب إلى اكتشاف علاجها، فإن الناس تفسرها بالتفسير الخرافي وليس التفسير العلمي والمنطقي لها.
لذا يلجأ المعالجون الشعبيون إلى ربط علاجاتهم بالدين حتى يحققوا منافع لهم تدر عليهم أموالاً طائلة من خلال علاجات وخلطات لا تكلفهم شيئاً، ثم يربطونها بالطب البديل حتى يضفوا عليها مصداقية أكثر.
وفيما يلي أناقش باختصار شديد، موضوع ” الطب النبوي”، وعلاقته بالأعشاب والأدوية الشعبية، وكشف زيف من وضع القرآن وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، كدعاية تسويقية من أجل ترويج بضاعته القاتلة، وأنا لست ضد الطب النبوي ولا ضد التداوي بالأعشاب، ولكن الأمر يحتاج إلى البحث والدراسة والتنظيم حتى لا يقتل الناس باسم الدين.
فقد وردت عدة روايات عن النبي عليه الصلاة والسلام تتضمن أخبارا عن منافع وخصائص لبعض المواد الغذائية كالعسل والحبة السوداء، أو تتضمن وصفات داوى بها النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، أو دعا إلى التداوي بها، ولذلك أطلق على مجموع هذه الروايات اسم “الطب النبوي”.
وهذه الأدوية في الحقيقة كان يتعالج بها العرب من قبل النبي عليه الصلاة والسلام، والرسول بشر، يلبس مثل ما يلبسه الناس في المجتمع، ويأكل مثل ما يأكلون، ويتعالج بما يتعالج به الناس آنذاك مثل الكي والحجامة وتناول بعض الأطعمة المفيدة لجسم الإنسان.
وفي هذا الصدد يقول ابن خلدون في تاريخه: “وكان عند العرب من هذا الطب كثير، وكان فيهم أطباء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره. والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء وإنما هو أمر كان عاديا للعرب. ووقع في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل. فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات. وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع فقال: أنتم أعلم بأمور دنياكم. فلا ينبغي أن يُحمل شيءٌ من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع..”.
كما أن الروايات الواردة عن رسول الله، لم تتضمن أية خلطات أو جرعات معينة لعلاج المرض، فمن أين جاء هؤلاء المعالجون بهذه الخلطات أو بهذه الوصفات؟ وعلي أي أساس استندوا في تحديد النسب الوزنية لها؟، وأين الناس اليوم عن العلاج بالكي أو بالحجامة فما عادوا يتعالجون بهما، أليس ذلك دليلاً على تغير المجتمعات وتغير طبها وعلاجاتها؟
أما بالنسبة للتشدق بالطب البديل، لترويج هذه الخلطات، فهذا النوع من الطب له أصول وقواعد وشروط وبحوث ودراسات، وغالبية المعالجين بالخلطات ليسوا متخصصين في هذا المجال ولا يستطيعون تشخيص الأمراض، كما أنه ليس لديهم أبحاث ومختبرات يجرونها على خلطاتهم كما أسلفت سابقاً، مثلما يفعل المختصون بالطب البديل، كما أن هذا النوع من الطب يتضمن طرقاً للمعالجة مثل الأيورفيدا، والتأمل، واليوجا، فهل يستطيع البعض ممن يدافعون عن المعالجين بالخلطات الشعبية إقرار مثل هذه الطرق في العلاج؟
مما سبق، يتضح أن هناك استغلالا رخيصا لأمراض الناس باسم الدين والعلم، ولابد من وقفة جادة وصادقة ضد الدجالين والمشعوذين وفضح أدويتهم وخلطاتهم فقد أضرت بصحة الناس وزادتهم سقما، فمن يحاسبهم على ذلك؟
المصدر: الوطن أون لاين