كاتب و ناشر من دولة الإمارات
هل تشتاق لنا الأماكن أم نحن الذين نشتاق لها؟
أتخيل أحيانا أن للمدن قلوباً كبيرة تحتضن بشوق سكانها، تماماً كالأم الرؤوم برحمة وحب تعتني بصغارها، وأومن أيضا بأن المدن تعشق مثلنا وتختار قبلنا، تختارك حتى قبل أن تختارها ومهما أتعبتها وقسوت عليها ونسيتها، مصيرك كتفاحة نيوتن تسقط في أرضها.
للمدن ذاكرة لا تنسى ذاكرة تتجدد ونحن إحدى خلاياها
بعض المدن تعاني من أهلها وأصعب أنواع المعاناة عندما تأتي من الداخل عندما يظن الآخر أنه يملك الحقيقة المطلقة و يريد بجفاء أن يفرض أجندته على الآخرين هذا التفكير الأحادي والفكر المستورد يضيق بالمكان الذي كان متسعا للجميع وواسعاً بأفكاره وثقافاته وحبه للآخرين .هنالك بجهل من يساعد هدم المكان بتنظيماته وتياراته وحرصه على تحقيق رغباته ضارباً عرض الحائط بالقيم والثقافات الموروثة والمنهج الصحيح الذي يسير به المكان.
هنالك مدينة للعيش ومدينة للقلب ومدينة للـ..
تخيل أنك تقف في طابور طويل حتى تحصل على تأشيرة زيارة لمدينة تعشقها وفي المقابل تخيل أيضاً أنك تقف في نفس الطابور هرباً من مدينتك مهاجراً لمدينة أخرى وتعتقد في قرار نفسك أنها ستوفر لك ما لم تستطع أن توفره لك مدينتك الأم.
نفس الطابور يحمل العديد من المشاعر والأحلام. هنالك من يبحث عن حريته عند الآخرين وهناك من يجدها في مدينته. وهناك من يزور المدن فرحاً وحباً للمدن وعندما يقارنها بمدينته تتفوق عليهم بجدارة. وأنت تقف في ذلك الطابور الطويل تذكر كم أنت محظوظ بمدينتك وكم من الطوابير ما زالت واقفة، عاشقة لمدينتك.
مبانينا التراثية، ذاكرة منسية
مؤلم عندما ترى انعكاس أشعة الشمس على مبان لا تعرفنا و لا نعرفها و مؤسف عندما نخسر الكثير من مبانينا التراثية الجميلة تحت معول العمارات الشاهقة ومؤلم أيضا أن نخسر جزءاً كبيراً من ذاكرة مدينتنا تحت أنقاض مبان مشوهة، تشوه الحاضر الأنيق والمستقبل الجميل من تاريخنا.
يا لقدرة بعض المدن على المحافظة على ماضيها وتراثها! كيف يستطيع مبنى أن يعيش أكثر من ساكنيه؟ مبان نورثها وهي في الحقيقة تراثنا. المباني ليست نحن وليست لنا، نمتلكها فقط عندما نسكنها وعندما نرحل لا ترحل معنا، بل تبقى لغيرنا.
الأماكن كلها مشتاقة لك
في خضم حياة لا ترحم و زمان يجري بكل ما أوتي من قوة ومعه أنت تغيب وتقسو على نفسك وعلى مدينتك، تشتاق لك الأماكن وتهمس بشوقها لك.. متى ترجع لحضن مدينتك؟
وكما قال مطربنا الجميل محمد عبده:
لو تغيب الدنيا عمرك ما تغيب
شوف حالي آآهـ من تطري علي
الأماكن.. كلها مشتاقة لك..
المصدر: جريدة الاتحاد