رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
لا ينبغي التعامل مع مرحلة ما بعد «كورونا»، بعقلية وتفكير وتصرفات مرحلة ما قبل انتشار الفيروس، فالوضع مختلف تماماً، ورغم أنها أشهر قليلة تفصل بين المرحلتين، إلا أنهما يُشكلان عصرين مختلفين، عصر ما قبل، وعصر ما بعد «كورونا»، وهما دون شك مختلفان اختلافاً كلياً في السلوكيات والتصرفات والقرارات، بل وحتى في طرق التفكير والرؤى والأهداف، وبمعنى أصح هما مختلفان في كل شيء، ومن المفترض ألا يشبهان بعضهما في شيء!
الأولويات اليوم مختلفة، والصرف أيضاً يجب أن يكون مختلفاً، وتالياً فلا مبرر أبداً لاستمرار الصرف بطريقة مرحلة ما قبل «كورونا» ذاتها، على بعض الأمور التي أثبتت أنها أقل أهمية في مرحلة «كورونا»، وتالياً لابد أن تتغير طرق الصرف، وحجم المبالغ التي تصرف في المرحلة المقبلة، وهي مرحلة ما بعد «كورونا»!
الصرف على الرياضة والأندية، وتحديداً كرة القدم، لا ينبغي أن يرجع كما كان أبداً، فهي ليست أولوية في المرحلة المقبلة، كما أثبتت أنها ليست أولوية في جميع المراحل، توقف كل شيء، وأُلغي كل شيء، وخسر جميع المتنافسين كل شيء، في حين لم يخسر المجتمع شيئاً من الإلغاء!
وبشكل عام، المليارات الضائعة على الأندية، لم تؤتِ ثمارها، ولم تستفد منها رياضة الإمارات، ولا مجتمع الإمارات، ولا أحد سوى شريحة واحدة فقط، حصلت على أكثر مما تستحق، وحان الوقت لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، وإلى حجمها الطبيعي، حجم دوري متوسط، وأندية متوسطة، وربما ضعيفة، لا تستطيع المنافسة إقليمياً ولا عالمياً، وتكتفي بالمحلية، في حين أن المبالغ المصروفة عليها، تفوق حجمها بأضعاف مضاعفة!
المسؤولون عن الرياضة وعن الأندية، هم في الغالب مسؤولون أيضاً في دوائر ومؤسسات حكومية أخرى، وهم ليسوا بمعزل عما يحدث في المجتمع، ولا شك إطلاقاً في أنهم مؤمنون بأن هناك مجالات وأولويات أخرى تستحق صرف هذه المبالغ عليها أكثر من كرة القدم، خصوصاً في هذه المرحلة الصعبة.
فما يحدث هنا ليس سراً، بل يحدث في أغلبية دول العالم، الغنية قبل الفقيرة، تراجعات اقتصادية، وأضرار لحقت بجميع القطاعات، وتالياً على هؤلاء المسؤولين أن يتمسكوا بمسؤوليتهم المجتمعية، ويرفضوا بقناعة تامة، ودون تدخل حكومي، صرف الملايين على لاعبين ومدربين، وبشكل مبالغ فيه، فهذه الأموال هي في الأول والأخير مال عام، والأندية مهما بلغت استثماراتها، فهي تعتمد اعتماداً كلياً على الدعم الحكومي، ولذلك فمن الأفضل والأهم أن نجعل الحكومة توجه دعمها إلى قطاعات أخرى أكثر أهمية، بدلاً من تشتيت جهودها ومالها، على مجال لا يعود بفائدة حقيقية تذكر على المجتمع وأهله!
كل مسؤول رياضي، عليه أن يفكر مليون مرة قبل أن يوافق على توقيع عقد، أو صرف راتب عالٍ للاعب أو مدرب، عليه أن يفكر بشمولية وحكمة، وليس بنظرة ورؤية لا تتسع سوى لمساحة النادي، فهو مؤتمن، وهناك مسؤولية ومصلحة مجتمعية في توفير المال، وعدم هدره، وترشيد المال والصرف في هذه المرحلة مطلب ضروري وحاسم، ليس هنا في الإمارات فقط، بل في جميع أنحاء العالم.
المصدر: الإمارات اليوم