عبدالله العوضي
عبدالله العوضي
حاصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع الجنائي - جامعة مانشستر عام 1996. خلال عامي 1997 و 1998عمل رئيساً لقسم المحليات في مؤسسة البيان للصحافة والطباعة والنشر. شغل منصب رئيس قسم البحوث والتخطيط بمؤسسة " البيان " للصحافة خلال الفترة من 1999الى 2002. من مؤلفاته: "في رحاب الإمام الشافعي" و "في رحاب الإمام أحمد" و"الخليج رؤى مستقبلية".

الإشاعة.. قاتلة الحقيقة!

آراء

الجريمة الإرهابية الفردية في الريم ليست الأولى في مجتمع الإمارات والتي دخلت في سجال الإشاعات ومحيطها، فقد سبقتها حادثة «المبحوح» وغيرها من الحوادث العادية التي تقع في أي مجتمع إنساني غير معصوم من ارتكاب بعض أفراده أي جريمة صغيرة كانت أم كبيرة.

ولأن الإمارات في الأصل دولة محبوبة لدى كافة سكان الأرض والداخل إليها لبرهة يدرك حقيقة أنه لو يشاء لبقي فيها إلى الأبد، لأنه وجد فيها ما يفتقده حتى في موطنه الأصلي، فإن هذا الأمر له وجهان، واحد إيجابي يتعلق بوصول الدولة إلى مراتب عليا في الشأن العالمي، أي أنها بعد 43 عاماً من عمرها المديد لم تعد تلك البقعة التي كان البعض يمر عليها مرور الكرام، فهي اليوم تعيش في قلب الأحداث العالمية ساعة بساعة، ولحظة بلحظة، فهي في عين المحلية وقلب العالمية، وهذا ما جعل أكثر من 200 جنسية تعيش فيها كأنها بلدهم الأول إن لم يكن أكثر، ولك أن تسأل عن ذلك الشعور الدافئ من تشاء.

لا يظن أحد أننا خرجنا من موضوعنا فلا زلنا في العمق منه، لأن الجانب الآخر يخص مساحة الانفتاح التي يتمتع بها مجتمع الإمارات في التعامل مع الآخر أياً كان وضعه أو شأنه أو جنسه أو دينه أو عرقه أو لونه.

فهنا نجد للإشاعة أيضاً مساحة أكبر من الانتشار السلبي وخاصة في عصر وسائل الاتصال الاجتماعي كتأثير النار في الهشيم.

ولكن الأمر الذي تتمتع به الدولة، هو في التزام مبدأ الشفافية في أي حادثة تقع سواء بحجم ما حدث في «جزيرة الريم» أو أي حادث مروري عابر، فإننا نجد المعلومات الدقيقة والوفيرة التي تضع حداً للإشاعة القاتلة، لأن فعلها فعل القتل للحقائق الواقعة والتي نراها صورة وكلمة وشفاهة.

فليس في الإمارات ما يخفى على كل من يعيش على أرضها وليس ما يخص مواطنيها، بل الجميع يشهد بأن الإمارات وصلت إلى العالمية التي تدفع ضريبتها الآن من خبث مروجي الإشاعات المغرضة والتي تجعل من الحبة قبة وحتى الحرف الواحد خطبة غير عصماء تضر السامعين وتعمي الناظرين. لقد كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن أناس مغرضين تهواهم الإشاعات وتصاحبهم في كل مكان حلوا فيه أو ارتحلوا منه أو إليه. فهذه الشريحة يمكن التعامل معها بطريقتين مختلفتين الأولى التجاهل التام حتى يموت صاحبها كمداً وغماً ونكداً وغيظاً والآخر المعالجة الفورية لدحضها عبر المصادر الموثوقة التي تبطل سحر هذه الإشاعات في مهدها. والجانب الآخر والأهم في كل ذلك هو في إنشاء جهاز أمني خاص لتتبع هؤلاء الذين لا هم لهم إلا الاصطياد في المياه العكرة لأنهم أصلاً نبتوا في المياه الفكرية الآسنة، وهؤلاء لا يمكن لهم العيش إلا في المستنقعات والآبار المهجورة منذ قرون التي لم يحلق من حولها إلا البعوض والحشرات السامة، أما في غير ذلك فلا فائدة من ورائهم إلا المزيد من الإشاعات في نشر ما رخص من الكلام وتدنى من الأخلاقيات والسلوكيات النابية التي تدخل فكرياً من باب الغيبة والنميمة الاجتماعية الضارة، ومهما كانت كلماتها معسولة إلا أنها مغسولة بالسم والعفن.

فالدولة لديها قوانين عامة لردع من هذا سلوكه وشأنه، إلا أن المرحلة الحالية تتطلب المزيد من التفريع أو التخصيص في مجال حرب الإشاعات التي تؤثر على ميزان الاستقرار والأمن والأمان في المجتمع. فأصبح من الضرورة بمكان وجود تشريعات دقيقة وتفصيلية تحاسب وتعاقب مثيري الإشاعات وتأثيرها بلا رادع من دين أو أخلاق أو عرف أو أي قيمة معتبرة فهنا لابد من وقفة حتى لا تخرج الإشاعة عن طورها إلى أطوار متقدمة تكون أقرب إلى العنف والتطرف في استخداماتها المجتمعية.

فكما استطاعت الدولة بكافة مؤسساتها الأمنية والإعلامية والمجتمعية تطويق مجال انتشار الإشاعات الطيارة أو المحلقة في الأجواء بلا حدود أو سدود، فإن بناء صمام الأمان من المكافحة إلى الوقاية من ثم بإزالة واقتلاع مصدر الإشاعات من جذورها أمر يمكن تنفيذه في السنوات القادمة لأن ذات وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تلعب الدور الأكبر في قتل الإشاعة قبل أن تقتل الحقائق ذاتها.

المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=82572