كاتب متخصص في الإدارة
تبين علمياً أنّ كلمات الإطراء تولّد شعوراً جميلاً لدى متلقيها. كما إن البعض يصل لمآربه بعد كلمات من الإطراء يغلف بها طلبه.
أيا كان الدافع يبقى تأثير الإطراء فورياً حيث اكتشف العلماء في دراسة يابانية ذكرتها في كتابي «المرأة تحب المنصتين» أنه حينما فاز المشاركون بلعبة الميسر (القمار)، التي أقيمت خصيصا لهذه الدراسة، كانت المناطق التي تتأثر في دماغهم لحظة تحقيق الربح المالي، هي المناطق نفسها التي تتأثر حينما يتناهى إلى أسماع الفرد كلمات رقيقة من الإطراء، وهو ما اعُتُبِر بأن الإطراء يحقق الشعور اللذيذ نفسه الذي يولده الكسب المادي.
ليس هذا فحسب، فحتى العلماء البريطانيون اتضح لهم أن الإطراء أكثر فاعلية من التسوق والجنس وتناول الشوكولاته، عندما يتعلق الأمر بتحسين مزاج المرأة ونيل رضاها. وتجلى ذلك عندما تبين أن نصف من شاركن في الدراسة، وعددهن 1056 امرأة أعمارهن ما بين 25 و45 عاما، قد اعترفن بأنهن يشعرن بفرح أكبر حينما يسرحن شعرهن، مقارنة بما يشعرن به لدى تناول الشوكولاته، حسبما نشر في صحيفة «الحياة». واعترفت نحو 41 في المائة من المشاركات بصراحة تامة بأن تلقيهن إطراءً أو رسالة نصية جميلة يحسن بالفعل مزاجهن. وكان واضحا أن مساحيق التجميل «المكياجية» هي أمر يلجأ إليه أكثر من ثلث المشاركات ويبذلن جهدا يوميا لارتداء أفضل الثياب وذلك في محاولة «لتحسين الحالة النفسية وتعزيز الثقة بالنفس» والأمر نفسه ينطبق على ارتداء حذاء الكعب العالي.
إذا كان هذا تأثير الإطراء على مزاج المرأة، فلنتخيل مدى الجرح الغائر الذي يحدثه ذمها أو تقبيحها أو احتقارها أو تعييرها أو ازدراؤها.
والإطراء بلسم للذكور والإناث لأنّ كما في اللغة «إحسان الثناء أو المبالغة فيه» وهو ما يحتاجه المرء وأن تظاهر بخلاف ذلك. فحينما يقضي الفرد عشرات الساعات على مشروع ما فإنه من الطبيعي أن تسره كلمة إطراء على صنيعه. غير أن المشكلة تكمل حينما يعكف الفرد على أمر ما ليس لسبب سوى انتظار كلمة إطراء، هنا يصبح عرضة لتحطم معنوياته، لأنه لا يعمل بإخلاص النية لربه أو بدافع ذاتي من الشغف وحبه لعمله. وهذا برأيي سبب تعاسة كثير من الناس الذين يقضون جل حياتهم في انتظار كلمة شكر وكأن ذلك هو أساس عملهم فتتحطم آمالهم على صخرة الواقع.
ولا بأس أن يستخدم الإطراء كحيلة ذكية لكسب مودة الآخرين، بدلا من أن ننكأ جراحهم، فكم من مسؤول ألغى مواعيده حينما تناهت إلى أسماعه عبارات ثناء تنم عن أشخاص يتابعون بالفعل منجزاته. ومن الحكمة أن يغلف النقد اللاذع بكلمات إطراء تسبق النقد ثم تختمه. وهذا ما نطلق عليه «طريقة الهامبورغر» في النقد. لأنها عبارة عن أكل صحي كالخبز والخس والطماطم (الإطراء) ثم الهامبورغر غير الصحي (النقد اللاذع) ونختمها بخبز صحي أيضاً، أي أن الإطراء هو آخر ما يرسخ في ذهن الفرد. هنا يكون قبول النقد المغلف بالثناء والمديح أدعى للقبول من نقد حاد مجرد.
وهذه باختصار حلاوة الإطراء. ولو كان الإطراء بمقابل مادي لما جادت به نفوس البشر. ولأضحت حياتنا سيلاً من الحدة والعنف اللفظي الذي لا يُطاق.
المصدر: البيان