الإعلامي والمفكِّر السعُودي قينان الغامدي يكتُب:
الوثيقة القينانيّة.. وثيقة العهد التي وقّعها قينان أمام نفْسِه
أخبار
اصدر الصحفي السعودي اللامع قينان الغامدي ما أسماها “الوثيقة القينانية” استعرض عبرها جملة من قناعاته تجاه مواضيع يعد بعضها جدلياً في السعودية. قينان الغامدي صحفي سعودي شهير وكان اول رئيس تحرير لصحيفة الوطن السعودية التي في عهده أسست لخطاب اعلامي جديد في السعودية تميز بالجرأة خصوصاً في مناقشة بعض قضايا المجتمع التي كانت الى ما قبل مرحلة الوطن ضمن المواضيع شديدة الحساسية ونادراً ما تطرح إعلامياً.
هنا نص الوثيقة القينانية:
“الوثيقة القينانية”
((وثيقة العهد التي وقعها قينان أمام نفسه))
بعد تأمل وتفكير، واستدعاء لقراءات كثيرة بعضها متخصص متعمق وبعضها عابر رسخ في الذاكرة، منذ أيام الدراسة الأولى في المعهد العلمي وحتى الآن، وبعد بعض الحوارات التي شاركت فيها، والآراء التي أعلنتها، وبدت وكأنها غريبة أو صادمة ، بينما هي عندي طبيعية عادية، ولأن البعض استغرق في تفسيرات وتأويلات لا تعبر عني ، ولا أقرها ، ولا أقبل بها أصلا ، لأنها تدخل في قراءة النوايا التي هي من اختصاص رب العزة والجلال ، ومن يتوهم في نفسه القدرة على ممارسة ماهو من اختصاص الله ، فهو مشرك لامحالة ، ولهذا كله رأيت من المناسب أن يكون موقفي من الحياة والأحياء معلنا واضحا لا لَبْس فيه ، عبر وثيقة عهد أمام نفسي بعض بنودها قديم ، وبعضها جديد ، وبعضها مطور ، وكلها باستثناء القليل قابلة للتطوير والتغيير ، طالما أنا حي ، فالأحياء هم الذين يتطورون ويتغيرون وليس الجمادات ، و(الوثيقة القينانية ) تتكون من عدة بنود على النحو التالي:
١- أن لا تخاف أحدا – كائنا من كان – إلا الله سبحانه وتعالى الذي قال في محكم كتابه (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين).
٢-أن تؤمن إيمانا قاطعا بأن عبادة المخلوق للخالق سر بينهما وليس من حق مخلوق آخر التدخل في هذه العلاقة بين العبد وربه ، لا أمرا ولا نهيا ، ولا إجبارا ولامنعا ، ولا ذما ولا مدحا ، ولاتدخلا ، وفضولا ، وتفتيشا، ولا استشهادا بأدائها من عدمه في شأن دنيوي ، ولا حكم قضائي ، ولا غيره ، (مثلما يفعل البعض حين يطلب شهادة من إمام مسجد يثبت له أنه مواظب على الصلاة) ، مع مراعاة أن التذكير العام للناس في شؤون العبادات يتطلب وعيا وقدرة وعقلانية تبتعد عن المبالغات التي يصل بعضها الى الأساطير، أو التسامح الذي يصل إلى قبول مناقشة مسائل عقدية معقدة على المنابر ، الناس يحتاجون إلى التذكير العاقل المنسجم مع رغبتهم في إخلاص العمل لله، قال تعالى (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر).
٣- أن تؤمن إيمانا قاطعا بأن المعاملات بين البشر من صغيرها إلى كبيرها يجب أن تخضع لقوانين وأنظمة دقيقة معلنة لكل الناس ، ومعها أو ضمنها العقوبات والجزاءات لكل مخالفة ، وأن يتم تطبيق هذه العقوبات على الجميع دون استثناء من الأمير والوزير إلى الخفير والموظف الصغير ، ومن الغني إلى الفقير.
٤- أن العدل والحريّة حق لجميع البشر أيا كانت أديانهم ومذاهبهم وألوانهم ، وأن توضع أنظمة وقوانين لتوضيح فضاءات وآليات العدل وقوانين وحدود الحرية، قال تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، والله تعالى خلق الإنسان ومنحه حرية اختيار العقيدة والدين وحرية التعبير وحرية التصرف، وهو وحده سبحانه يملك حق المحاسبة (إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم).
٥- أن يكون الرأي الحر متاحا وفق قوانين وحدود الحرية السابقة مع احترام كل رموز الأديان المقدسة وعدم الإساءة إليها، قال تعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم).
٦- أن تؤمن إيمانا قاطعا بأن مهمة تغيير البشر بالنسبة لك مستحيلة ، وأن محاولة التغيير من قبلك لفكرهم تعتبر جهلا ، بل إنها قد تكون شركا أصغر بالله ، سيما إذا توهمت القدرة على ذلك ، لأن مهمة تغيير البشر للخالق ، ولا يستطيعها غيره مطلقا ، أما البشر فمهمتهم تقتصر على تغيير أنفسهم ما استطاعوا، ( جهاد النفس ) ، ثم السعي إلى الإقناع العام بأفكارهم ورؤاهم فمن أخذ بها فحسن ، ومن رفضها فمن حقه .
٧- أن تؤمن إيمانا قاطعا بأن السيادة للعقل الإنساني في كل أمور الدنيا وشؤونها، وأن أمور النقل والعقل يجب محاصرة نقاشها داخل العبادات فقط فما اتفقا فيها فلا بأس ، ومااختلفا فيها أو تعارضا تم إخضاعه للترجيح والمفاضلة وفق الأدلة ، أما المعاملات والأحكام الدنيوية فلا سلطة لغير العقل فيها ، مع مراعاة أحكام الحدود التي وردت فيها نصوص صريحة قطعية الدلالة قطعية الثبوت وفي حديث جابر بن عبدالله عن الرسول صلى الله عليه وسلم:”أنتم أعلم بما يصلحكم في دنياكم”.
٨- أن تؤمن إيمانا قاطعا بمكانة وقدسية الوطن ، وقاعدة ( الدين لله والوطن للجميع ) ، وأن تحرص على أن ينال الآخرون حقوقهم حرصك على نفسك ، وأن تقف بقوة وحزم وحكمة في وجه كل من يحاول المساس بأمن الوطن أو وحدته أو تعايش أهله تحت سلطة القانون والنظام ووفق قوانين الحقوق والواجبات .انطلاقا من الثوابت الوطنية الثلاثة – وهي ثوابت وضعتها لنفسي منذ سنين طويلة ودائما أكررها – وهي : ١-الدين الإسلامي ، ٢- الوحدة الوطنية ، ٣- ضمان هذه الوحدة – بعد الله – المتمثّلة في قيادة آل سعود ، على أن لا يدعي أحد امتيازا له بحجة أنه كان متحالفا مع الأسرة المالكة ، أو أنه يشاطرهم ، فجميعنا مواطنون متساوون تحت قيادتهم .
٩- أن تحرص على تكريس مفاهيم الدولة المدنية والحياة المدنية ، وتشجيعها، وإشهار أدلتها من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ، وتجارب الأمم ، ومرويات التاريخ ، ومعطيات العقل المعاصر .
١٠- أن تؤمن إيمانا قاطعا بأن المرأة إنسان مستقل حر سوي ، لا سلطة للرجل عليها مطلقا ، فهي من يقرر ويختار حياتها ومصيرها مثلها مثل الرجل تماما في ظل القوانين والأنظمة والقيم والأعراف التي يجب أن يلتزم بها ويراعيها الجميع .
١١- أن تحرص وتسعى إلى إتاحة كل سبل المعرفة وتدفق المعلومات للناس ، مع قناعة تامة بأن ذلك حق إنساني أصيل لكل البشر في الارض .
١٢- أن تقف بقوة رافضا كل من يوظف الدين ( أي دين ) لخدمة أي شأن دنيوي سواء كان شأنا بسيطا مثل تحديد لبس معين ، أو شأنا عظيما يتعلق بإدارة دولة ، أو مصير أمة .
وأخيرا وبعد كل هذا التوضيح، يجب أن لا يهمك الناس إن رضوا أو غضبوا ، وافقوا أو رفضوا ، طالما أنت أصلا تسعى لإرضاء الله ، ثم ضميرك وقناعاتك ، ولا تسعى لإرضائهم ولا لإغضابهم ، ولا يعنيك إن وافق أحد أو رفض آخر ، وإنما أنت فقط تقول : هذه قناعاتي ، وهي قناعات قابلة للنقاش لكل من أراد أن نتناقش حولها أو غيرها بموضوعية ودليل .
قينان عبدالله الغامدي
جدة، في : 20 /فبراير/ 2015
الموافق : 1/ جمادى الاولى/1436
ملحوظة مهمة جدا :
الوثيقة قابلة للتطوير ومن حق من يقتنع بها أن يتبناها لنفسه ويضيف ويعدل كما يشاء شريطة أن يشير إلى ( الوثيقة القينانية ) كمرجع عاد إليه أو أصل انطلق منه ، والله ولي التوفيق.