كاتبة في صحيفة البيان
حلت دولة الإمارات العربية المتحدة ضيف شرف على معرض الدار البيضاء للكتاب بالمملكة المغربية الشقيقة هذا العام، لدورها المحوري الفاعل في دعم الثقافة والمعرفة والفنون في العالم العربي، عبر إطلاقها العديد من المسابقات والجوائز التشجيعية، فضلاً عن دعمها المتواصل لحركة الطباعة ونشر الكتب والترجمة، كل هذا بهدف الإغناء الفكري، وبسط الحداثة، وإحياء التنوير، وإبراز التجديد.
هذه المكانة لدولة الإمارات العربية المتحدة جعلتها تعبر الخليج العربي إلى شمال إفريقيا، وصولاً إلى الأطلسي، لتحل ضيفة في المغرب، تلك المملكة العريقة، التي أحبذ ذكرها شخصياً بالمملكة التاريخية المغربية، الأرض الغنية بكل شيء، عقولاً وأيدي عاملة وأحداثاً متكدسة وحقائق تاريخية وتراثاً عريقاً ومعماراً أصيلاً وأصواتاً تنبع من القلب، أصوات الأدب والحرف، بلد الشاعر محمد بنيس، والروائي محمد عزالدين التازي، ومحمد شكري، والطاهر بن جلون، والجميلة فاطمة المرنيسي.
لن أستعرض هنا العلاقات التاريخية بين البلدين، والمترسخة في جميع مجالاتها، وسأقتصر في حديثي على مشاركتنا الأدبية في معرض الدار البيضاء للكتاب، المشاركة التي ضمّت أدباء إماراتيين من مشارب إبداعية مختلفة، تقع بين أدب الأطفال والكبار وفن خط، إبداعات مختلفة جعلت العلاقة بيننا ــ نحن القادمين من المشرق العربي ــ وبين الجمهور المغربي المثقف والمتفاعل تتبلور في مشهد ثقافي مميز، ذهبنا لنرتل السرد، وتسيل بيننا اللغة، وتتسع مساحة الحرف في قاعة امتلأت بحضور لافت، من نُقاد وكُتَّاب وأدباء، من شعراء وقصاصين ورواة، حرصوا على الحضور، لنقارب المعنى بيننا في صفحات الأدب بين البلدين، فقد آن الأوان بعد العلاقات التاريخية بيننا، إعلامياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أن نقرأ لبعضنا بعضاً الأدب والجمال.
وبغض النظر عن البعد الجغرافي، ظلت اللغة الواحدة الجامعة الشاملة لوجدانياتنا المشتركة هي الباقية، تُقربنا من ذلك الكاتب الجميل باستقلاليته الإبداعية، في أن نتوجه لبعضنا بصفتنا كائنات إنسانية، وانطلاقاً من الوعد بالحب والصدق، فلا شيء كالقراءة يمنح الذاكرة ذلك التأثير والمعنى والهدف.
أيام ثقافية زاهية جعلتنا نأتلف أدبياً، ونتقارب فكرياً، ما أذاب غموض المتعلقات بين الطرفين. وكما هي الطبيعة البشرية تحتاج إلى تجمعات ترتقي بالإنسانية وقيمها، فإن الاجتماع الفكري يؤدي إلى ارتقاء الروح.. الجُملة دائماً تعطي الحق باستنادها إلى أسرار وحكايات خيالية تجمع بعضنا ببعض.
لا أعرف لماذا أفلتت دمعتي منسابة خلال التعريف بروايتي، وكيف بدأتها لمجرد ذكر والدتي وقصة شجرتها التي ذبلت بعد وفاتها، لتُقتص بعد العزاء، الشجرة/ المكان/ الذي كنت أكتب فيه.
تفاعل الجمهور المغربي معي، مع إصرارهم على أن تتحول أمي والشجرة إلى قصة أو رواية تُروى.
الحكايات الصغيرة التي تحمل الطبيعة في داخلها تروينا جميعاً، مهما كانت المساحات بيننا بعيدة، فإنها تجمعنا.. بعيداً عن ذكر ناطحات السحاب المرئية كل حين، فإن الجوانب المعرفية والإنسانية هي الأكثر رسوخاً، تجمع بين أفكارنا بهم ومعهم.
بينت المداخلات المتنوعة مدى مفهوم الآخر تجاهك، ومدى رؤيته ونظرته، ولا شيء كالأدب واللغة يصنع البيئة المميزة والمنشودة.
وقد كان للدكتورة المغربية، زهور إكرام، الناقدة والأستاذة في جامعة محمد الخامس في الرباط، دور مميز في تقديمنا بروح ملؤها المحبة، وبإحساس عالٍ، وحظينا بترحيب جمهور المغرب الذي امتلأنا به حباً وسعادة، لهذا كله أنا مؤمنة بالعلاقات المميزة، لأنها تُحرّر النص ليُحلق مكتوباً ومتجاوزاً كل سوء، عابراً من ضمير إلى ضمير.. في أن يقرأني وأقرأه، وصولاً إلى المزيد من التلامس والاقتراب.
المصدر: صحيفة الإمارات اليوم