مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
الصدفة وحدها جعلت من العاصمة أثينا أول عاصمة أوروبية أسافر إليها عام 1983، هذه المدينة التي كانت مهد الحضارة الغربية ومنبت رأس الفكرة الديمقراطية والفلسفة والفلاسفة وأول عاصمة ثقافية لأوروبا، فيها من الآثار ما يضيق الوقت عن الاطلاع عليه وزيارته، بدءاً بقلعة الأكروبوليس الشهيرة وليس انتهاء بالمتاحف والمعابد وتماثيل الآلهة والفلاسفة والمفكرين، هذه الآثار هي البصمة الانثروبولوجية لأصالة المدن وعراقتها، وهذا سر الاهتمام بها والحفاظ عليها.
وفي أثينا أيضاً سمعت للمرة الأولى بمصطلح «قائمة اليونسكو للتراث العالمي»، بعد ذلك شاهدت الكثير من الآثار التي أدرجت في هذه القائمة، عندما زرت مدينة نورنبيرغ الألمانية صيف 2009، وحين وقفت أمام قلعة الملك أحيرام في بعلبك اللبنانية، وعندما عبرت أمام سور اسطنبول وتسمرت قبالة بيت جولييت في فيرونا الإيطالية، ومنطقة القاهرة القديمة، ومعالم البتراء، ومدافن حفيت وأفلاج العين في الإمارات.. الخ، نحن في نهاية الأمر نسكن جغرافيا ممتدة مرت عليها أقوام وشعوب وحضارات، ورثناها عنهم لنكمل طريق الحضارة نحو تحقيق مبدأ عمارة الأرض وبنائها والارتباط بمقومات الحياة فيها وفق مبدأ الجهد والعمل والاتقان.
لذلك فإن الذين يحاولون التقليل من الإرث الحضاري والعمق الانثروبولوجي لدولة الإمارات، معتبرين أنها دولة بلا جذور أوجدها النفط لا أكثر، تقدم لهم الاكتشافات والمواقع الأثرية المنتشرة على أرض الدولة الكثير من الدلائل الدامغة على أصالة الدولة وارتباطها بسياق الحضارات الإنسانية القديمة، كموقع (ساروق الحديد) الذي يعود الفضل في الكشف عنه لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عام 2002، والذي يحوي دلائل على وجود حضارة وجدت في عمق صحراء دبي قبل أربعة آلاف سنة، ولعبت دوراً كبيراً كطريق للتجارة، وكمركز من مراكز صناعة الذهب والنحاس والمسكوكات وغيرها.
الإمارات ليست دولة طارئة أوجدتها ثروات ومشاريع النفط، لقد وجدت منذ آلاف السنين، وكان أهلها سواء الرعاة منهم أو المزارعين أهل كرم وإبداع وتطور على الدوام، وكانوا حريصين على مد جسور التواصل مع حضارات المنطقة كما أنهم يمدونها اليوم مع شعوب العالم بمنتهى الانفتاح والمحبة.
لذا فدبي المدينة صاحبة الشهرة العالمية اليوم باعتبارها نموذج التطور والابتكار، ترتكز على تراث حقيقي ترتبط به وتعتز وتفاخر، بل وتجعل من إحدى مسكوكات آثار موقع «ساروق الحديد» شعاراً لمعرض إكسبو العالمي 2020، هذه المسكوكات التي جعلت المؤرخين يرجعون بروز دبي لأكثر من 10 آلاف سنة، كمركز تجاري مشهود له بالتطور أولاً وبالارتباط بالحضارات التي سادت الجزيرة العربية كحضارة ماجان العظيمة.
المصدر: البيان