الإمارات مشغولة.. وهم مشغولون

آراء

الإمارات مشغولة.. وهم مشغولون، لكن هناك فارقاً كبيراً بين من يكرس كل جهوده وموارده وإمكاناته للبناء والتقدم، ومن يعش مهجوساً بالتدمير وكره تفوق الناجحين.. انشغال البناء يحتاج إلى عمل ورؤية واستراتيجية، ولا يتطلب التدمير إلا الغباء.

من يحضر الاجتماعات السنوية لحكومة الإمارات هذا العام، لن يُفاجأ أبداً من أي تشويش أو هجوم تتعرض له هذه الدولة الفتية الصاعدة التي اعتادت أن تُثبت صباح كل يوم أنها تمضي بخُطى ثابتة نحو المستقبل، في وقتٍ تتعثر فيه دول وتتهاوى نظم كانت تظن أنها قوية.

الهجمات الدعائية المغرضة على الإمارات لم تعد تُثير استغراباً لدى الأغلبية العظمى من البشر، لأنها تصدر عن دول فاشلة تبحث عن مشجب لتعليق إخفاقاتها، أو عن جماعات تختبئ في الظلام ولا تمتلك الجرأة لمواجهة النور.

الاجتماعات السنوية لحكومة الإمارات نموذج مبهر في العمل الحكومي المؤسسي، تمثل أرقى درجات التنسيق بين الوزارات والهيئات والدوائر المحلية، وتشكّل منصة لمراجعة الإنجازات وتحديث الرؤى، وصياغة توجهات السنوات المقبلة.

كان لي شرف حضور الدورة السابعة من الاجتماعات، التي تجمع أكبر فريق عمل وطني قيادي في العالم، فريق أنجز مهامه في وقت قياسي، وأذهل العالم. هذا العام تميّزت الاجتماعات بزخمٍ غير مسبوق في الطروح والمبادرات، حيث عرضت فرق العمل جهودها في الاقتصاد والخدمات والاجتماع مروراً بالصحة والأسرة والتقنية والذكاء الاصطناعي. وكان العنوان الأبرز صناعة المستقبل وإدارته بذكاء واحترافية، انسجاماً مع نهج الدولة في التخطيط الطويل المدى، واستباق التحولات بدل انتظارها.

تؤكد الاجتماعات أن الإمارات تمتلك استراتيجية باتت محط الأنظار، يتعلم منها كل الآخرين، الذين يحلمون بالنهضة، لا أولئك الذين لا تمتلئ نفوسهم إلا بكراهية الناجحين، استراتيجية الإمارات تدرس كل شيء بعناية فكل شيء على طاولة النقاش، لكي يأتي القرار صائباً ويعقبه العمل ومن ثم الإنجاز.

استراتيجية الإمارات تأخذ في الحسبان مركزية الإنسان: أحلامه وتطلعاته وحراكه المجتمعي، من هنا نفهم إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عام 2026 عاماً للأسرة، فالعمل منذ البداية وحتى النهاية يصب في صالح نواة المجتمع، ولا يمكن لأي مجتمع أن يتماسك، ويخطو نحو الأمام إلا بأسرة مزدهرة تضعها حكومتها في العقل قبل القلب، وتكون شؤونها في مقدمة الأولويات.

وتكتمل ملامح هذه الاستراتيجية وتتضح من خلال ثوابت خمسة يقول عنها محمد عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء «إنها تشكّل رؤية الدولة وقرارها وسياساتها منذ البداية».

الثابت الأول: الانفتاح الاقتصادي الذي جذب المواهب والخبرات، واستثمارات وشراكات تجارية مع دول العالم. والثاني: العلاقات السياسية المتوازنة، حيث تسعى الإمارات إلى بناء علاقات تنافسية ومتفهمة مع مختلف دول العالم من دون الانحياز إلى أحد. والثالث: الحوكمة الرشيقة التي تمكّن اتخاذ القرار سريعاً لمواجهة التغيرات السريعة. والثابت الرابع: التكنولوجيا محرك التقدم. أما الخامس فيتمثل في التنمية المرتكِزة على الإنسان.

وضعت حكومة دولة الإمارات برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قبل بضع سنوات أهدافاً لإنجازها بحلول عام 2031، لتعلن اليوم أنها تمكنت من تحقيق 67% من تلك الأهداف، أي قبل ست سنوات من نهاية تلك الخطة، وبات الطريق أمامها معبداً وسالكاً لتوديع آخر برميل نفط إذ لم تعد مساهمته في الناتج المحلي تتجاوز 22.5% فقط، مقارنة ب 31٪ قبل سنوات قليلة، مع هدف واضح للوصول إلى 80% بحلول عام 2031.

الإمارات الأولى عالمياً في 264 مؤشراً، وهي ضمن الخمسة الأوائل في 504 مؤشرات، وضمن العشرة الأوائل في 710 مؤشرات تغطي الاقتصاد، والتعليم، وجودة الحياة، والحوكمة، والابتكار، أما تجارتها غير النفطية التي سجلت ثلاثة تريليونات في 2024، فواصلت قفزاتها وارتفعت 24.5% في النصف الأول من 2025.

الإمارات استثمرت خلال العامين الماضيين ما يزيد على 543 مليار درهم في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير البنية الرقمية، ما جعلها من أكثر الدول استثماراً في هذا القطاع على مستوى العالم، بينما يتجاوز عدد المبرمجين فيها 450 ألف مبرمج، بزيادة 370% خلال خمس سنوات فقط.

هذه الإنجازات، التي تتوزّع بين الاقتصاد والتقنية والعمل الإنساني، لا بد أن تثير حفيظة بعض الأطراف التي فقدت بوصلتها، ولم تعد تملك مشروعاً حقيقياً للمستقبل. فبينما ينشغل بعضهم بتوجيه السهام ومحاولات التشويش، تمضي الإمارات في طريقها بثقة، مدفوعةً بإيمانها بأن العمل والإنجاز هما أفضل ردّ على الحملات المغرضة.

الإمارات لا ترد على التشويش بالكلام، بل بالمزيد من العمل والتخطيط والرؤية، وبينما يتحدّث الآخرون عن الغد فإن الإمارات تصنع الغد اليوم.. إنها دولة لا تعرف التوقّف، ولا تكتفي بما أنجزت، لأن فلسفتها تقوم على مبدأ أن المستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع بالإيمان والجهد والعلم.

المصدر: الخليج