دعا مواطنان المصرف المركزي إلى إعادة النظر في قراره المتعلق بنسب «الدفعة المقدمة» التي يجب على الراغب في بناء أو شراء بيت سدادها، وطالبا بدراسة حالة كل متعامل على حدة، لتراعى ظروفه وقدرته على السداد، ما يساعد على ضبط السوق، ويحقق التوازن.
وطالب مصرفيون وخبراء في قطاع التمويل، يجعل الوضع المالي للمقترض، معياراً رئيساً لتحديد الدفعة المقدمة، مقترحين حلولاً مثل خفض الأقساط الشهرية للتمويل في السنوات الأولى للقرض، وزيادة قيمتها تدريجياً، وإلزام البنوك بتوزيع الأرباح على جميع أقساط القرض، بدلاً من سدادها دفعة واحدة.
كما اقترحوا تطبيق نظام يشبه نظام (المشاركة الإسلامي)، للحد من المضاربات، يعتمد مبدأ تقليل «الدفعة المقدمة»، ومنح البنك حق التصرف في العقار تأجيراً، مع خصم الإيجار من أقساط القرض.
وفي وقت رأوا أن زيادة نسبة الدفعة المقدمة تستوجب خفض البنوك للفائدة على التمويل العقاري في ظل انخفاض المخاطرة، لفتت خبيرة مصرفية إلى مخاطر عدة تعرضت لها البنوك، جرّاء حصول وافدين على تمويلات عقارية، مشيرة إلى حق «المركزي» في التشدد، لكن بنسب معقولة.
إعادة نظر
وتفصيلاً، اعتبر المواطن محمد خميس، القرار في غير مصلحة المواطن، قائلاً إن «البنوك لن تتضرر، لأنها ستجد بديلاً ممثلاً في القرض الشخصي».
وأكد خميس أن «البنك الذي يتعامل معه عرض عليه ذلك فعلاً، بفائدة مضاعفة»، مطالباً «المركزي» بالعدول عن القرار، ودراسة كل حالة بشكل منفرد، ومراعاة ظروف المواطن من حيث قدرته على السداد، وعمره، وهل لديه بيت أم لا، إذا كانت هناك رغبة في ضبط السوق.
وأضاف أن «متوسط بناء البيت يكلف بين مليونين وثلاثة ملايين درهم، في وقت لا يوجد شاب لديه دفعة مقدمة بقيمة 900 ألف درهم»، مشيراً إلى أنه عدل عن البناء حالياً إلى حين صدور قرارات جديدة.
بدوره، قال المواطن عوض المزروعي، إن نسب «الدفعة المقدمة» التي حددها «المركزي» عالية جداً بالنسبة للمواطنين، ويجب خفضها حتى يمكنهم البناء والاستقرار دون أن يؤثر ذلك في أوضاعهم الاجتماعية».
القرار للبنوك
من جهته، يرى الرئيس التنفيذي لشركة «موارد للتمويل»، محمد مصبح النعيمي، أن «البنوك هي أكثر الجهات قدرة على تحديد الدفعة المقدمة، التي يجب أن تختلف وفقاً للوضع المالي لكل راغب في الحصول على تمويل»، لافتاً إلى أن «البنوك فعّلت أقسام المخاطر فيها، لتصبح أكثر قدرة على تقييم القروض بطرق أكثر واقعية».
وأضاف أن «البنوك هي أكثر الجهات حرصاً على حماية أموالها، إلا أنه يمكن للمصرف المركزي أن يحدد نسبة معينة (منخفضة نسبياً) لا تقل عنها الدفعة المقدمة لتمويل العقار، مع ترك هامش تحرك للبنوك»، مؤكداً أهمية أن تمنح البنوك الحق في زيادة هذه النسبة بحسب رؤيتها وعوامل عدة، مثل الثمن الإجمالي للعقار، وموقعه في أي إمارة، فضلاً عن دراسة العائد المتوقع من العقار، مع مراعاة الوضع المالي للمقترض، معياراً رئيساً لتحديد الدفعة المقدمة.
فترة انتقالية
بدوره، اقترح المحاضر الرئيس في معهد الإمارات للدراسات المالية والمصرفية، شرين محمد فريد، أن يتم العمل بالضوابط الجديدة التي أقرها المصرف المركزي بشأن الدفعة المقدمة لفترة، إلى أن يتم التحكم في السوق العقارية وضمان استقرارها، ثم تخفف تلك الضوابط الصارمة تدريجياً لتحفيز السوق في ما بعد».
وأرجع ذلك إلى أن «المصرف المركزي يهدف إلى ضبط إيقاع السوق، والحد من المضاربات التي أضرت بالقطاع العقاري في ظل الأزمة المالية العالمية، ومن ثم يكون طبيعياً أن توضع ضوابط صارمة مبدئياً خلال الفترة الانتقالية».
وأوضح فريد أن «ضوابط التمويل العقاري تختلف من دولة إلى أخرى بحسب ثقافة الملكية العقارية، فهناك دول مثل الولايات المتحدة وإنجلترا تؤمن بالملكية العقارية، لذلك فإنها تضع اشتراطات ميسرة للتمويل العقاري، في حين أن هناك دولاً أخرى تؤمن بالتأجير، لذا تكون الضوابط فيها أكثر تشدداً».
تقليل الأقساط
أما المستثمر العقاري والخبير المصرفي، سيف المنصوري، فوضع عدداً من التصورات للحفاظ على أطراف العلاقة وهم البنوك الممولة، والمطورون العقاريون، والمستثمرون الراغبون في الشراء، منبهاً إلى أن «ضوابط التمويل العقاري مشكلة حساسة للغاية، إذ إنه لو تم التنازل بهدف التيسير على طرف، سيكون الأثر سلبياً في الطرف الأخر، بمعنى أن تقليل الدفعة المقدمة مثلاً ييسر عملية التمويل العقاري للمستثمرين، لكنه يزيد من احتمالات التعثر المصرفي الذي يضر البنوك».
وقال إن «أول هذه الحلول، إلزام الراغبين في الشراء بسداد الدفعة المقدمة وفقاً لتعميم المصرف المركزي الصادر أخيراً، مع تقليل الأقساط الشهرية للتمويل في السنوات الأولى للقرض، ثم زيادة قيمتها تدريجياً خلال السنوات المقبلة».
وأضاف أن «المشكلة التي نتجت عن قرار (المركزي)، والخاصة بمطالبة البنوك للمشترين بسداد (الأرباح أثناء البناء)، ما يضطر العديد منهم للحصول على قروض شخصية للسداد، يمكن حلها بسهولة عن طريق إلزام البنوك بتوزيع هذه الأرباح على جميع أقساط القرض، بدلاً من سدادها دفعة واحدة لاستلام الوحدة العقارية فور انتهاء البناء».
وأفاد بأن «خفض البنوك للفائدة على التمويل العقاري في ظل انخفاض المخاطرة بعد زيادة نسبة الدفعة المقدمة، يعد ضرورة لاسيما أنها ستؤدي إلى انخفاض القيمة الإجمالية للتمويل العقاري، ما يقلل من قيمة الدفعة المقدمة، ويساعد القطاع العقاري على الحفاظ على نموه».
وفي ما يتعلق بتبرير المصرف المركزي زيادة الدفعة المقدمة للحد من المضاربات التي أضرت بالسوق العقارية في الماضي، رفض المنصوري هذا التبرير، قائلاً إن «هذه الضوابط كانت مقبولة قبل سنوات حين كانت ظاهرة الطوابير العقارية تمتد ساعات، ويتم بيع الإيصال بنسبة تزيد بما يراوح بين 10 و15٪».
وأوضح أن «الحد من المضاربات يمكن أن يتم بطريقة مختلفة وهي تقليل الدفعة المقدمة مع تطبيق نظام يشبه نظام (المشاركة الإسلامي)، بحيث يمول البنك الوحدة العقارية ويكون له الحق في التصرف فيها بالتأجير مع خصم الإيجار من أقساط القرض».
ولفت إلى أن «استمرار النظام الحالي بشأن زيادة الدفعة المقدمة يضر بالسوق العقارية كثيراً (على الرغم من أنه يحد من احتمالات التعثر المصرفي مستقبلاً)، إذ إن المستثمر الذي كان يشتري أكثر من وحدة عقارية في الماضي، ويقوم بتأجيرها وسداد الأقساط من الإيجار، لن يتمكن إلا من شراء عدد أقل من الوحدات لسداد الدفعة المقدمة بعد الزيادة».
نسب متشددة
إلى ذلك، قال الخبير المصرفي، حسن فهمي، إن «السوق العقارية بدأت تتحرك، خصوصاً في دبي، ما زاد الطلب على العقار في الأشهر القليلة الماضية، ولذلك كان من المفترض أن يتم تشجيع هذا النشاط، بمنح البنوك فرصة جيدة للتمويل، لكنه ذهب باتجاه دفع المستثمرين لضخ ما لديهم من سيولة، عن طريق رفع الدفعة المقدمة للبناء، ومن ناحية أخرى، خفض نسبة التمويلات العقارية في إجمالي محفظة القروض الخاصة بالبنوك».
وأضاف أنه «إذا كانت هناك حاجة لضبط السوق، ومنع المضاربات، وتقليص المخاطرة التي تتحملها البنوك، فإنه يجب التركيز على المتعامل نفسه، بمعنى رفع نسب التمويل العقاري من ناحية، مع دراسة وضع المقترض مادياً، وقدرته على السداد من ناحية أخرى».
وأكد أن «هناك حاجة لتنظيم يماثل نظام القروض الشخصية، للتأكد من الملاءة المالية للمتعامل، وتالياً لا يتم إقراض مبالغ كبيرة دون وجود ضمانات حقيقية».
وأوضح أن «هناك حلولاً كثيرة يمكن تطبيقها لضبط السوق، كأن تكون هناك نسب محددة للإنشاءات تمت على أرض الواقع، قبل التمويل بالنسبة للتملك الحر، وذلك لمنع (البيع على الخريطة)».
وأشار إلى أن «النسب الأخيرة من قبل (المركزي) متشددة، وستحرم شريحة كبيرة من المتعاملين راغبي التمويل لبناء أو شراء مسكن، ولن يستفيد سوى عدد محدود ممن لديهم ملاء مالية عالية».
وأكد أن «من شأن ذلك أن يخفض الطلب على العقارات، ما يزيد المعروض، ويمنع دخول وحدات جديدة، وتالياً يحدث تباطؤ في الاقتصاد عموماً، نظراً لارتباط العقار بالقطاعات الحيوية بالدولة كافة».
وشدد فهمي على أهمية الاستفادة من حركة السوق لتوفير مزيد من الطلب، موضحاً أن أوروبا على سبيل المثال، وعلى الرغم من أزمتها الاقتصادية، تضع حداً أقصى لمشاركة المتعامل بدفعة مقدمة لا تتجاوز 20٪، معتبراً نسبة تحمل 30٪ للوافد، و20٪ للمواطن، حداً أقصى، مقبولة جداً وتضمن توازن السوق.
مضاربات التملك الحر
في السياق نفسه، قالت الخبيرة المصرفية، شيخة السويدي، إن «نسبة 30٪، حداً أقصى لـ «الدفعة الأولى» بالنسبة للبيت الثاني، مقبولة للمواطن، وأقل من ذلك بالنسبة للبيت الأول، وذلك تيسيراً على المقترضين».
وأضافت أن «هناك مخاطر عدة تعرضت لها البنوك، جرّاء حصول وافدين على تمويلات عقارية، ثم تركوها عائدين إلى بلدانهم، لذلك من حق (المركزي) تشديد نسبة الدفعة الأولى، لكن ليس إلى 60٪»، معتبرة نسبة 40٪ حداً أقصى للبيت الثاني مقبولة.
أما الخبير المصرفي، مهند عوني، فأفاد بأن هناك إجراءات يمكن تعميمها على البنوك من قبل «المركزي» للحد من مضاربات التملك الحر، مشيراً إلى أن بعض البنوك تطبقها فعلاً، مثل عدم تمويل شراء وحدات الشركات غير جيدة السمعة، أو التي يثبت تورط موظفيها في عمليات مضاربة، ووضع قوائم لها، إضافة إلى التأكد من تسجيل العقارات في دائرة الأراضي قبل تمويلها، وكذلك توقيع اتفاقات مع الشركات الملتزمة بعدم الإضرار بالسوق.
ودعا عوني إلى التخفيف من النسب المطروحة من قبل «المركزي» إلى حدود مقبولة، مشيراً إلى أن وجود نسب من الانشاءات على أرض الواقع، هو أحد الضوابط المهمة للحد من بيع العقارات على الخريطة.