يدرك المتتبع للحراك الاجتماعي أن «الجرائم الاقتصادية» كانت وما زالت تتصدر وتفوق معدلاتها كافة أنواع الجرائم الأخرى، كما تؤكد ذلك الإحصاءات الجنائية. وتبين أن «الجريمة الاقتصادية» تطورت في السنوات الأخيرة، بل ظهرت لها أشكال لم تكن معروفة من قبل، مثل اختراق بطاقات السحب الآلي، وسحب أموال وودائع عملاء بنوك تجارية من دون علم أصحابها.
وهناك شبه إجماع في الرأي لدى علماء «علم الإجرام» على أن تزايد ميول غالبية الناس لإشباع حاجاتهم المادية تجاوز بكثير حدود إمكاناتهم وقدراتهم المالية، كما أن الميل للاستهلاك يولّد باستمرار رغبات واحتياجات لا تتوقف عند حد.
وأمام تنامي ظاهرة الجريمة الاقتصادية وآثارها على التنمية الاقتصادية، فضلاً عن تأثيرها على الأمن الاقتصادي والمجتمعي، سارع العديد من الدول إلى اتخاذ حزم من التدابير الاحترازية، لاحتواء تداعيات الجرائم الاقتصادية وإبطال مفعولها.
إذ يتصدر التخطيط الوقائي الحزم الوقائية التي جرى تجريبها في بعض بلدان أمريكا اللاتينية. ويقصد بالتخطيط الوقائي الآلية التي تتخذها الجهات المعنية بمكافحة الجرائم الاقتصادية، باستخدام الطرق العلمية القادرة على التنبؤ العلمي بمسار المتغيرات الاقتصادية المتسارعة.
وتجمع الآراء على أن التخطيط الوقائي يعتبر بجميع المقاييس عملية متعددة الجوانب، ومسؤولية لا تقع على عاتق الشرطة وحدها؛ فهناك مهام يجب أن يتحملها جهاز الأمن الاقتصادي، خصوصاً في ما يتصل بتوفير المعلومات الأساسية المرتبطة بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية ذات العلاقة، لعل من أهمها: «القدرة على تحليل الخارطة السكانية- والفوارق والتمايزات الاجتماعية»، ومستويات التعليم – وأوضاع سوق العمل – ومعدلات البطالة – والعادات الاستهلاكية بين المواطنين والمقيمين – والأضرار التي قد تنجم عن السلوك الإجرامي.
ولعل من الثوابت أن التخطيط الوقائي ينهض أساساً على الخطة الاستراتيجية المرتبطة بأهداف محددة، تنطلق من مفهوم راسخ يرى: «أن الوقاية من الجريمة هي أساس مكافحتها»، ذلك أن المكافحة تبدأ بالوقاية وتنتهي بالتأهيل الاجتماعي والرعاية اللاحقة. ومن جهة أخرى، يفترض أن تشتمل على خطط فرعية يعهد بها إلى بعض الأجهزة المعنية بالبعد الوقائي، لرصد أي أفعال أو مخططات تهدد الاستقرار الاقتصادي.
وهنالك من يدعو لربط التخطيط الوقائي بـ«المرصد الاقتصادي»، الذي يشبه غرفة العمليات التي تقوم عبر الاستشعار عن بعد، بمتابعة سير الحراك الاقتصادي وقياس معدلات النمو والتضخم والبطالة، باعتبارها من أهم المؤثرات على السياسة الاقتصادية، ثم على الأمن الاقتصادي.
بقي أن نشير إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية نبهت المؤسسات الاقتصادية، على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية، لضرورة المراجعة المستمرة للتشريعات الاقتصادية، والعمل على سد الثغرات التي يحسن استغلالها ضعاف النفوس وذوو الميول الانحرافية، مما يستلزم جهوداً مضاعفة من قبل أجهزة الأمن الاقتصادي الوقائي، للتفوق على تلك الشبكات الرقمية وإبطال مخططاتها الإجرامية.
ومن هذا المنطلق: أدركت قيادتنا الرشيدة الأهمية القصوى لإصدار قانون يتصدى للمخاطر الاقتصادية.
ففي أبريل من عام 2016 أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، رعاه الله، بصفته حاكماً لإمارة دبي، قانوناً بشأن مركز دبي للأمن الاقتصادي، يهدف إلى: الحفاظ على مكانة الإمارة مركزاً مالياً واقتصادياً عالمياً، ودعم استقرارها المالي وحماية استثماراتها من الجرائم التي من شأنها الإضرار باقتصاد دبي؛ وإلى ضمان تطبيق أفضل الممارسات العالمية في أسواق المال المُصرّح لها بالعمل في الإمارة، ومواجهة المخاطر التي قد يتعرض لها المستثمرون، ومكافحة الأنشطة الضارة بأسواق المال، إضافة إلى التنبؤ بالمخاطر والظواهر الاقتصادية التي يمكن أن تمس الاقتصاد الوطني والمال العام في دبي، ووضع الحلول المناسبة لمعالجتها.
كما يعزز من ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية في اتخاذ الإمارة مركزاً لأعمالهم، كما يسهم أيضاً في ضمان سلامة القواعد والإجراءات والعمليّات المالية في الإمارة، وكذلك تشجيع الجهات المعنيّة على المشاركة الفعّالة في محاربة الأفعال التي تُشكّل مساساً بالأمن الاقتصادي ومكافحتها وتوعية أفراد المجتمع بمخاطرها.
ولقد استأثرت الإمارات حديثاً بالمركز الأول إقليمياً والعاشر عالمياً على قائمة أفضل الوجهات الاستثمارية العالمية وأكثرها جاذبية للمستثمرين لعام 2019، والتي أصدرتها أخيراً شركة «إرنست أند يونغ» البريطانية، متفوقة على وجهات استثمارية عالمية مثل اليابان؛ سنغافورة؛ ماليزيا، هونغ كونغ.
وترصد القائمة أفضل الوجهات الاستثمارية استناداً إلى: «جودة المناخ الاستثماري ومدى ملاءمته لجذب الاستثمارات، والبيئة القانونية، وسهولة الإجراءات الرسمية».
أيضاً ذكر موقع «إنترناشيونال إنفستمنت» الشبكي البريطاني أن دولة الإمارات تعزز جهودها الرامية إلى مكافحة الجريمة المالية. ونشر الموقع تقريراً حديثاً عن جهود الإمارات في هذا الشأن، أوضح أن الإمارات لا تكف عن بذل جهود حثيثة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأضاف إن الإمارات تحرص على تحديث قوانينها المتعلقة بمكافحة الجريمة المالية وتعديلها كي تبقى هذه القوانين مواكبة للجهود الدولية، مفيداً بأن أحدث هذه التعديلات هي تلك التي أجراها «سوق دبي المالي العالمي» أخيراً على قواعده المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأفاد أيضاً بأن الإمارات تستعد لتقييم من جانب «مهمة العمل المالية»، وهي كيان عالمي تأسس عام 1989 بغية تطوير سياسات عالمية لمنع غسل الأموال.
المصدر: البيان