بينما تواجه العديد من اقتصادات منطقة الشرق الأوسط والدول المصدرة للنفط تحديات مختلفة لدعم نموها الاقتصادي وتعزيز قدراتها على مواصلة الإنفاق الرأسمالي، تبدو آفاق النمو الاقتصادي لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان الأكثر إيجابية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، خلال السنوات المقبلة، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.
ورسم صندوق النقد الدولي في أحدث تقرير له، حول توقعات النمو في منطقة الشرق الأوسط، صورة أكثر تفاؤلاً بمستقبل النمو في اقتصاد الإمارات بداية من العام المقبل، لينطلق من معدل نمو متوقع 3.7% في 2019 إلى 3.9% في العام 2020، فيما رفع توقعاته لنمو اقتصاد سلطنة عمان من 4.2% في تقريره لشهر أبريل 2018 لتصل إلى 5% في تقريره الذي أصدره خلال الأسبوع الماضي.
ووفقاً لتقديرات الصندوق، فإن اقتصاد سلطنة عمان سيحقق أعلى وتيرة نمو بين دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام المقبل تصل إلى 5% مقارنة مع نمو قدره 1.9% في العام 2018، ومع نحو 0.9% في العام 2017، يليه اقتصاد دولة الإمارات الذي سيشهد نمواً بحدود 3.7% مقارنة مع 2.9% متوقعاً في العام الجاري ومع نمو قدره 0.8% في العام 2017.
وأشاد صندوق النقد الدولي بالإجراءات المالية الرصينة التي تتخذها حكومة السلطنة للحد من عجز الموازنة العامة للدولة المتمثلة في زيادة كفاءة النظام الضريبي، وضبط الإنفاق الجاري، وإجراء تخفيضات في الإنفاق الرأسمالي، مؤكداً أن «السلطنة تبذل جهوداً كبيرة ومتواصلة لتشجيع زيادة الاستثمارات الأجنبية».
كما توقع البنك الدولي بدوره ارتفاع معدل النمو الاقتصادي تدريجياً في السلطنة إلى نحو 3% بحلول عام 2019، مشيراً إلى أن الارتفاع التدريجي لأسعار النفط سيؤدي إلى تحسين الثقة وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في السلطنة. وأشاد البنك في تقرير «المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» ببرنامج الحكومة العمانية فيما يتعلق بمراجعة السياسات الاقتصادية التي ترتكز على التنويع الاقتصادي وضبط أوضاع المالية العامة.
وفيما تتقاسم دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان قيادة دفة النمو الاقتصادي في المنطقة خلال العام المقبل، تبدو العلاقات التجارية والاستثمارية والسياحية بين البلدين أكثر ازدهاراً وتطوراً، وهو ما تؤكده المؤشرات والأرقام والإحصاءات الصادرة عن الجهات الرسمية في البلدين، فالإمارات تتصدر قائمة أكبر الشركاء التجاريين لسلطنة عمان، وتعد الإمارات كذلك أكبر مستقبل للسياح العمانيين، فيما تشهد الاستثمارات البينية بين البلدين الشقيقين طفرة غير مسبوقة في القطاعات المختلفة. ووفقاً لتحليل أجرته «الاتحاد» لبيانات وزارة الاقتصاد الإماراتية حول التجارة الخارجية غير النفطية والاستثمارات البينية بين دولة الإمارات وسلطنة عمان، بلغ إجمالي التجارة والاستثمارات البينية بين البلدين أكثر من 47.8 مليار درهم، منها 35.9 مليار درهم للتبادل التجاري في آخر سبع سنوات، و11.9 مليار درهم رصيد للاستثمارات بين البلدين.
وسجل حجم التبادل التجاري بين البلدين، خلال الفترة من 2010 وحتى نهاية 2017، نمواً قياسياً بنسبة زادت على 327%، بعد أن ارتفع إجمالي التبادل التجاري من 8.46 مليار درهم في 2010، ليصل إلى 35.9 مليار درهم في العام الماضي.
ووفقاً لبيانات وزارة الاقتصاد، بلغ حجم التبادل التجاري خلال العام 2017 فقط نحو 3.95 مليار درهم، مقارنة مع 1.96 مليار درهم في العام 2016، بارتفاع قدره 101%، وذلك بعد أن ارتفعت الصادرات غير النفطية بنحو 2.95 مليار درهم، وكذلك ارتفاع إعادة التصدير بنحو 2.2 مليار درهم، بالتزامن مع تراجع الواردات بنحو 1.25 مليار درهم.
وعلى صعيد الاستثمارات البينية، بلغ إجمالي رصيد الاستثمارات البينية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان نحو 12 مليار درهم، منها 8.81 مليار درهم استثمارات إماراتية في السلطنة ونحو 3.2 مليار درهم استثمارات عمانية في دولة الإمارات.
وشملت أهم القطاعات الاستثمارية العمانية في الإمارات، الأنشطة المالية والتأمين والصناعة التحويلية والأنشطة العقارية والأنشطة المهنية والعلمية والتقنية، والتشييد والبناء وتجارة الجملة والتجزئة والمعلومات والاتصالات، فيما شملت قائمة أهم القطاعات للاستثمار الإماراتي في عمان، صناعة الأدوية ومستحضرات التجميل وتوليد الطاقة، والأنشطة العقارية، والقطاع المالي والمصرفي، والمعدات الإنشائية والصناعية، والفنادق والمطاعم، والقطاع الصناعي، واستزراع الأسماك وتجارة الجملة والتجزئة، وكذلك إنشاء مراكز التسوق.
ولفت التقرير إلى وجود نحو 35 شركة ومجموعة استثمارية إماراتية تنشط في مختلف مجالات الاستثمار في سلطنة عمان، منها شركة مبادلة وشركة ليوا للطاقة، والشركة الأهلية لتطوير حقول النفط، والشركة العالمية لزراعة الأسماك، والشركة الوطنية للتبريد المركزي «تبريد»، والقدرة العقارية وشركة أبوظبي الوطنية للطاقة «طاقة»، وشركة أبوظبي للاستثمار، وشركة بترول رأس الخيمة، وشركة جلوبال فارما وجلفار، وبنك أبوظبي الأول، وآبار للاستثمار، وداماك، ودوكاب، ومصدر ودلفين للطاقة، ومجموعة الغرير، وشركة ماجد الفطيم.
ومما يظهر حجم علاقات الأخوة والنسب بين الإمارات وعمان، فإن عدد العقارات التي يمتلكها العمانيون في الإمارات بلغت 3470 عقاراً، وبلغ عدد العقارات التي يمتلكها الإماراتيون في السلطنة 113 عقاراً و398 مزرعة. ويبلغ عدد الرحلات الجوية الأسبوعية للناقل الوطني بين البلدين 94 رحلة، بواقع 14 رحلة لكل من طيران الإمارات وطيران الاتحاد والعربية للطيران، و28 رحلة لفلاي دبي و24 رحلة للطيران العماني، وهو الأمر الذي انعكس على قوة السياحة البينية بين البلدين، حيث تستقبل المنشآت الفندقية في الإمارات أكثر من مليون سائح من السلطنة سنوياً.
خطط طموحة للنمو والتنويع
بدأت سلطنة عمان مع مطلع العام الماضي، في تنفيذ الخطة الخمسية التاسعة (2016-2020) لمواجهة تحديات التي فرضتها الأوضاع الاقتصادية العالمية مع انحسار مساهمة النفط والغاز في الناتج المحلي الإجمالي، بعد الانخفاض الحاد في أسعار النفط في الأسواق العالمية واستمرار ذلك منذ منتصف عام 2014، والذي كان ولا يزال مصدراً أساسياً للدخل، إلا أن هذه الأوضاع أوجدت بيئة جديدة لمواجهة هذه التحديات تمثلت في سعي الحكومة إلى تخفيض المصروفات الحكومية واستكمال مشاريع البنية الأساسية، واتخاذ إجراءات للحفاظ على كفاءة الاقتصاد الوطني واستقراره وتعزيز السيولة المحلية. إضافة إلى السعي إلى زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الصادرات، وتحقيق التنويع الاقتصادي ودفع المؤسسات الحكومية لتقديم خدمات أفضل وأسرع، وإيجاد شراكات طويلة المدى مع القطاع الخاص، مع التركيز على القطاعات الواعدة الخمسة التي حددتها الخطة الخمسية التاسعة وهي الصناعات التحويلية، واللوجستيات والسياحة والتعدين والثروة السمكية، بالإضافة إلى تقليل اعتماد الشركات الحكومية في مشاريعها على التمويل الحكومي، والتوجه للأسواق المحلية والعالمية لتمويل تلك المشاريع الاستثمارية وفق حلول تمويلية مبتكرة على المديين المتوسط والبعيد، حيث يعد قطاع المالية والتمويل المبتكر أحد أهم القطاعات الممكنة الداعمة خلال الخطة، شأنه شأن قطاع التشغيل وسوق العمل.
وفي هذا الإطار تسعى الحكومة العمانية إلى تحقيق النمو الاقتصادي المخطط له، وتقديم الدعم المطلوب لتحقيق النتائج المرتقبة لتوصيات وحدة ودعم التنفيذ والمتابعة برنامج «تنفيذ» المتعلقة بتحسين مناخ الاستثمار وتعزيز دور القطاع الخاص، والعمل على زيادة معدل الاستثمار، والتركيز في الموازنة الإنمائية على الاستثمار في القطاعات الواعدة والمنتجة والمحددة في الخطة الخمسية التاسعة.
المصدر: الاتحاد