خاص لـ هات بوست:
نحن في زمنٍ تتسارع فيه خطوات الذكاء الاصطناعي، وتغلغلت فيه التقنية في كل تفاصيل الحياة، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة بنموذج فريد يُعيد الاعتبار للإنسان بوصفه جوهر التنمية ومحورها. وبينما تستثمر الدولة في أعقد أنظمة الذكاء، فإنها في ذات الوقت تستثمر في أعمق العلوم: العلوم الإنسانية ومهارات الحياة، في رؤية متكاملة تؤمن بأن الإنسان هو البداية والنهاية، فهو المنبع والمصبّ.
فمن منطلق أن “رحلة الفضاء تبدأ بالإنسان”، تنظر الإمارات إلى العلوم الإنسانية لا كمجال ثانوي، بل كأصل من أصول المعرفة، وروح لكل مشروع حضاري. وفي هذا السياق، برزت جهود الدولة جليّة في إنشاء جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، التي تُعد أول جامعة متخصصة في هذا المجال على مستوى المنطقة، وتعكس إيمان القيادة بأهمية تعزيز التسامح، والفلسفة، والحوار الثقافي، والتعايش السلمي.
ولأن التقدّم لا يكتمل إلا بالتوازن، فقد جاء إنشاء جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي مكمّلًا لمسار التقدّم العلمي، لتشكّل الجامعتان معًا قلب الرؤية الإماراتية لغدٍ يتقدّم فيه الإنسان والتقنية جنبًا إلى جنب.
ويُترجَم هذا التوجّه أيضًا في مشاريع كبرى مثل بيت العائلة الإبراهيمية، الذي يجسّد التسامح والتعايش السلمي، ويعكس وثيقة الأخوّة الإنسانية التي وقّعها فضيلة الإمام أحمد الطيب وقداسة البابا فرنسيس في أبوظبي، خلال عام التسامح. علاوة على العديد من الجوائز والمبادرات الفكرية مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب ومنتدى تعزيز السِّلم، التي تسعى إلى إعادة بناء الوعي الثقافي على أسس إنسانية راسخة.
إلى جانب ذلك، تولي الإمارات اهتمامًا خاصًا بما يُعرف بـ “التعليم الحياتي”، إدراكًا منها بأن بناء الإنسان لا يكتمل بالمعرفة وحدها، بل يحتاج إلى مهارات تمكّنه من إدارة ذاته، والتفاعل مع محيطه، واتخاذ القرار في عالمٍ مليء بالتحديات التي نعيشها في القرن الحادي والعشرين.
وقد تجلّى هذا الاهتمام في:
– إدراج مادة التربية الأخلاقية كمكوّن رئيس في مناهج التعليم من الصف الأول حتى الثاني عشر.
– تطوير المناهج الوطنية لتشمل مهارات القرن الحادي والعشرين، مثل التفكير النقدي، الذكاء العاطفي، إدارة الوقت، والتخطيط المالي.
– إطلاق مبادرات وطنية شبابية مثل مجلس الإمارات للشباب وبرنامج سفراء الإمارات لتمكين الأجيال القادمة من أدوات القيادة المجتمعية والمشاركة الفاعلة.
– تعزيز ثقافة الاستدامة المالية، عبر تعليم الطلبة مبادئ الادخار، والتوازن المالي، والمسؤولية الفردية.
وتُدرَك مهارات مثل إدارة الوقت والمال في الرؤية الإماراتية ليس كوسائل تنظيمية فقط، بل كأساس لتقدير الحياة، وتحقيق التوازن بين العمل والراحة، وبين الإنتاج والوعي.
ما يُميّز النموذج الإماراتي أنه لا يفصل بين الحداثة والموروث، بل يستمدّ من جذوره قيمًا أصيلة يُعاد تقديمها بروح معاصرة. فالتعليم الحياتي ليس مفهومًا دخيلاً، بل هو امتداد لثقافة إماراتية أصيلة علّمت أبناءها كيف يعيشون قبل أن تُدرّسهم كيف يعرفون.
ففي تنظيم الوقت، تعلّم الأجداد من إيقاع الطبيعة، والبحر، والغوص. وفي إدارة المال، عاشت المجتمعات على مبدأ البركة والادخار. وفي العادات والتقاليد، كانت المجالس مدارس في الحوار، وفن الإصغاء والتواصل، وكان الكرم تدريبًا على الكفاءة في إدارة الموارد، وكان الولاء والانتماء سلوكًا يوميًا يعمّق الاستقرار ويرسّخ الهوية.
وكعادتها، تطرح دولة الإمارات نموذجًا متفرّدًا في فهم التعليم. فهي لا تضع التقنية في مواجهة الإنسان، ولا ترى في المعرفة الأكاديمية نهاية المطاف، بل تؤمن بأن الحضارة المستدامة لا تُبنى إلا بالجمع بين العقل والقيم، بين المهارة والسلوك، بين التقدّم والهوية.
وبينما تستعدّ الأجيال الجديدة لقيادة المستقبل، فإن الإمارات تضمن أن تكون أقدامهم ثابتة في الأرض، وعقولهم منفتحة على العالم، وقلوبهم مشبعة بإنسانية لا تعرف المستحيل. وفي زمن الآلة، لا تزال الإمارات تستثمر في الإنسان.
نحن شعبٌ تشكّلت هويته من نسيج القيم الإنسانية النبيلة، نحيا تحت راية حكومةٍ لم تتفوق على الزمن فحسب، بل غرست في الإنسان بذور المعنى، وجعلت من كل خطوة نحو المستقبل درسًا في الإنسانية.