كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
تستهويني بشغف المواقف الإنسانية، تأسرني المبادرات التي ليس فيها أي شيء سوى الإنسان. هذا الشغف يكون في الأوقات العامة، فكيف به إذا أتى في هذا الزمن الرأسمالي المتوحش، الذي أصبح كل شيء فيه له ثمن… لكن، لا شيء له قيمة!
بطعم الإنسانية تأتي المبادرة التي أطلقها حاكم دبي بجعل احتفالات يوم الجلوس في الرابع من كانون الثاني (يناير) لهذا العام مناسبة للاحتفاء بعمال الخدمات، وتكريم الفئة المنسية والمهشمة دوماً من عمال النظافة والبناء والمزارعين والسائقين وخدم المنازل. يكرّس محمد بن راشد آل مكتوم تلك المناسبة الوطنية ليدعو الناس إلى أن يقولوا للعمال والبسطاء: شكراً لكم، عوضاً عن أن يطلب من الناس أن يشكروه لأنه ما زال حاكماً عليهم!
تأتي هذه اللفتة المكتومية لتقاوم موجة الازدراء للعمال والمقيمين بين ظهرانينا، الذين تركوا أهليهم وأولادهم وجاؤوا لأكل لقمة العيش. نعم… أعرف، لم يأتوا لخدمتنا مجاناً، لكن هذا لا يعني أن نهمش دورهم الأساسي في رفاهية حياتنا اليومية، فنحن أيضاً لم نعطهم المال مجاناً.
حملة (شكراً لكم) انطلقت من دبي، لكنها يجب أن تؤثر في الجيوب المحيطة وأن تقاوم النبرة الارتيابية ضد العمالة وضد المقيمين.
المقيمون ليسوا ملائكة، لكنهم أيضاً ليسوا شياطين نستخدمهم في إلصاق كل سوأة أو جريمة بهم، كالذين أصبحوا أخيراً يضعون كل أسباب تخلفنا وفسادنا على الأجانب المقيمين عندنا، عندنا… نحن الملائكة!
المقيمون بشر مثل المواطنين، صحيح أنهم نظرياَ أقل حرصاً من المواطنين في الحفاظ على الممتلكات العامة والمال العام، لكن الواقع أكد لنا دوماً أنه يقبع خلف كل مقيم حرامي مواطن فاسد.
أتحدّث هنا عن المقيمين المستضعفين من العمالة، أما كبار المقيمين من رؤساء الشركات ومديري الأموال فلهم من يدافع عنهم، إن كانوا في حاجة إلى دفاع!
الالتفاتة إلى العمالة، سواء من المواطنين أو من المقيمين هي لفتة إنسانية لا يقوى عليها إلا ذو حظ عظيم… من النبل والفطنة، فهل نحن مؤهلون لذلك؟ لنجرّب أنفسنا ونختبر نزواتنا ونقيس طول أنوفنا!
حقاً (الشيطان يكمن في التفاصيل) عندما ننشغل بفعل «الأخذ»، لكن عند فعل «العطاء» فإن الإنسان هو الذي يكمن في التفاصيل.
المصدر: الحياة