كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
..والعنوان بعاليه هو اقتباس حرفي لعنوان الأخ الزميل عبدالرحمن اللاحم، ولكن مداخلتي معه تكمن في رؤية أخرى للفكرة.
أشهر المبتعثين السعوديين إلى لواء “داعش” هو أحمد الشايع الذي نام كامنا سنوات بعد عودته الشهيرة من العراق، ثم استيقظ بكل قوة ليصبح نجما “يوتيوبيا”، وهو يهرب إلى “جامعة داعش”، فمن هو أحمد الشايع؟
هو نفسه الشاب السعودي الذي اعترف أمام الملايين أنه كان يقود شاحنة في أحد شوارع بغداد، دون أن يعلم مطلقا بأنها كانت شاحنة مفخخة بأطنان من “الديناميت” الحارق، ودون أن يعلم بأن خلفه عن بعد من يحمل “ريموت التفجير” ليفجره في اللحظة المناسبة.
نجا أحمد الشايع بأعجوبة وتقدير إلهي، ووجدوه على بعد مئة متر من موقع الانفجار “مقذوفا” بجسد مكتمل الاحتراق، ليعلم فيما بعد أنه قتل “درزنا” من الأبريا، وكلهم بنسبة مئوية مكتملة من المسلمين، من بينهم ستة أفراد من عائلة سنية كانت تقطع الشارع أمام الشاحنة، واسمحوا لي، فأنا مع القتل بريء من التفريق بين الأديان والمذاهب.
وفي الحقائق الدامغة أن أحمد الشايع عاد إلى عاصمة وطنه الرياض بتدخل إنساني جوهري من حكومة بلده، مثلما ـ في الحقيقة أيضا ـ أن بلده هي من عالجت جسده من بقايا جراح الحريق، مثلما كان ضغط حكومة بلده هو من أنقذه من مصير مأساوي في غياهب السجون العراقية.
وعلى “يوتيوب”، يظهر أحمد الشايع لنكران كل هذا الجميل، لأنه مع “داعش”، يتطلع إلى شاحنة جديدة لا تعرف من تقتل.
قصتنا الداخلية المحضة، أن المجتمع لا يعي خطورة آلاف المبتعثين إلى كتائب القتل، وما أحمد الشايع سوى أنموذج لهذه البعثات الظامئة إلى الدم.
في الوعي المجتمعي، قد لا تدرك الملايين أن قصة مثل قصة أحمد الشايع تحولت إلى بطاقة إنقاذ واستنقاذ في يد نظام البطش السوري وهو يلوح بها كوسيلة ترويج إعلامية عن “المحتمل البديل”.
هؤلاء هم من أنقذوا الديكتاتور السوري من حبل المشنقة العالمي الذي كان في لحظة من الزمن متضامنا ضده قبل أن تهدي له “بعثات داعش” مئات الأمثلة والأشرطة التي قام بتسويقها إلى كل هذا العالم… في عالم لا يود تكرار التجربة.
الذي حدث بالضّبط في الأشهر الستة الأخيرة، أن النظام السوري القاتل، استطاع بدهاء دبلوماسي وإعلامي كثيف، أن يبرهن للعالم أنّ تبعات الاحتلال السوفيتي الشهير لأفغانستان، هي ذاتها المخرجات، في تبعات الاحتلال الأميركي للعراق، وهي ذاتها آلة التخويف الهائلة التي تجتاح العالم اليوم، لو أن سورية دخلت مجلس الأمن تحت طائلة البند السابع.
ومرة أخرى، في عالم لا يريد تكرار التجربة، فمن هو الذي أهدى لنظام البطش السوري هذه الخشبة التي قفز إليها بعد أن كان في خضم بحر جارف.
خذوا هذه اللقطة الأولى الشاردة: مساء أمس، كان النائب اللبناني وئام وهاب المعروف بولائه لنظام “الأسد”، و”نصر الله” يستعيد على قناة لبنانية ما قاله بالحرف: “إنه الشريط الذي عُرض حتى اليوم على 150 قناة عالمية، بثلاث عشرة لغة مختلفة”، ثم يعتسف الحقائق ليحاول تسويق ما يحدث في لبنان من قتل وتفجير، على أنه إعادة إنتاج جديدة لمسلسل هذه الأشرطة. وبالضبط كان أحمد الشايع على رأس القصة.
وفي اللقطة الثانية: كانت استراتيجية آلة القتل السورية تقوم على جوهر فك الارتباط بين قوى المقاومة السورية وفصائلها المختلفة.
لم يكن فرد واحد على الخريطة سيظن ـ قبل عام ـ أن كتائب النصرة التي ابتدأت تأخذ أسلحتها من مخازن الجيش الحر نفسه، ستكون نفسها الكتيبة التي حاصرت سليم إدريس زعيم الجيش الحر نفسه، لأسبوعين قبل أن يُضطر إلى الهروب، ثم يظهر في عشرات القنوات الفضائية ليتحدث بمرارة عن حروب بينية طاحنة بين فصائل المقاومة السورية، ثم تغدو هذه الأحداث مادة مدهشة رئيسة في الخطاب الإعلامي لنظام القتل السوري.
الخلاصة التي أنا مؤمن بها؛ أن الشعب السوري المظلوم المغلوب على أمره لم يكن بحاجة إلى هؤلاء المبتعثين، ولا لهذه الجبهات والألوية.
كان هذا الشعب العظيم في طريقه إلى الانتصار بجيشه “المنشق” السوري الحر، ولوحده، ومن المبكي أن تشاهد الخبر الأخير أن “معضمية الشام ترفع أعلام النظام وترضخ للهدنة معه، بعد أن كانت معقل الثورة، وجمرة المقاومة”، ثم يقول قائد تنظيمها إن كتائب “داعش” قد قتلت في شهرين في ذات المعضمية من الشام، ما لم يستطعه النظام الرسمي في عامين.
إنها أفضال المبتعثين إلى “داعش” التي رسمت في سورية خريطة أفغانسان المكررة في عالم لا يريد تكرار التجربة.
المصدر: الوطن أون لاين