كاتب ومحلل إماراتي متخصص في الشؤون الراهنة في المنطقة. بعد حصوله على البكالوريوس والماجستير في إدارة الأعمال (تخصص تمويل)، بدأ حياته المهنية كمصرفي كما قام بتأسيس شركة عائلية في قطاع البنية التحتية. وبعد كتابة عمود أسبوعي في الصحف المحلية، انضم إلى حكومة دبي وترأس ملف المشاريع الثقافية المعاصرة. يواصل مشعل كتاباته مع التركيز بشكل خاص على منطقة مجلس التعاون الخليجي بدولها ومدنها محللاً تحديات وفرص المنطقة الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ردّاً على سؤال خلال مقابلة على قناة “العربية” الأسبوع الماضي حول دعوة العاهل السعودي الملك عبدالله مؤخراً لاتحاد خليجي، قال النائب أحمد السعدون رئيس مجلس الأمة الكويتي الجديد إنه يشجع التقارب والتعاون الخليجي ويراه ضروريّاً، وإنه لابد من أخذ ظروف كل دولة بعين الاعتبار. وتحت ضغط المذيع، أضاف السعدون أنه من الصعب على دولة مثل الكويت أن تدخل في اتحاد مع دولة تعج سجونها بآلاف سجناء الرأي.
ردود الفعل الرسمية كانت شبه معدومة في حين أن ردود الفعل من الكويت والنشطاء الخليجيين رحبت بتصريح السعدون واعتبرته صادقاً وشجاعاً. وردود الفعل الأخرى على الشبكات الاجتماعية والمجالس الخاصة تراوحت بين نقد التصريح ونقد توقيته. والحقيقة أن غالبية من يلحون على استعجال الاتحاد يستحضرون الخطر الإيراني وتداعيات واقع التحول العربي.
وبالنسبة للخطر الإيراني، ودون احتساب آثار الحزمة الأخيرة من العقوبات الاقتصادية، فإن الجمهورية الإسلامية على وشك الانهيار الاقتصادي. فإنتاجها النفطي في انخفاض مستمر منذ سنوات، ونسبة التضخم تقارب 20% وسعر كيلو اللحم تخطى 20 دولاراً أميركيّاً. أضف إلى ذلك بداية نهاية النظام السوري وعدم وجود أدلة قاطعة على تدخل مباشر في الشأن البحريني حسب تقرير البسيوني. ومن الواضح أن إيران وإن بقيت مصدر قلق لا تشكل خطراً عسكريّاً سياديّاً فعليّاً كخطر عراق صدام في 1990 على سبيل المثال. وفيما يتعلق بالملف النووي، فإن التحول لاتحاد لن يكون له أثر عليه. فمزيد من العقوبات، أو غارات أميركية- إسرائيلية محتملة، هما الأداتان الوحيدتان الكفيلتان بتأخير البرنامج النووي.
وفيما يتعلق بواقع التحول العربي أو ما بات البعض يسميه “الربيع العربي” وتداعياته على دول المنطقة، من الواضح أن الإصلاحات الهيكلية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل دولة تختلف عن غيرها، ويغلب عليها الطابع الداخلي. فإذا كان الاتحاد يهدف إلى تأجيل التعامل مع هذه التحديات فإنه سيؤدي إلى شراء القليل من الوقت مقابل تقليل الخيارات المتاحة. وإذا كان الاتحاد يهدف إلى معالجة هذه التحديات الوطنية المختلفة بشكل جماعي فمن المرجح أنه سيقضي معظم وقته محاولاً فهم هذه التحديات المختلفة والاتفاق على قرارات تناسب الأعضاء الستة.
ويقودنا هذا إلى الدواعي الاقتصادية للاتحاد. وفق التقرير الإحصائي لعام 2011 للأمانة العامة لمجلس التعاون فإن حجم التبادل التجاري بين دول الخليج في 2009 وصل 15,5 مليار دولار أميركي أو ما يوازي 25% من إجمالي قيمة التبادل التجاري لدول الخليج.
ومع أخذ عاملي تضخم الطفرة الاقتصادية للعقد الماضي وتدفقات إعادة التصدير بعين الاعتبار فإن هناك نسبة جيدة من التجارة الداخلية بين دول الخليج أبرزها الألمنيوم من الإمارات والبحرين والبتروكيماويات من السعودية والصلب من قطر. وهناك أيضاً آمال معقودة على فتح الأسواق لسكان دول الخليج البالغ عددهم 35 مليون نسمة.
وفي الدورة الثانية من منتدى صير بني ياس الذي تنظمه وزارة الخارجية الإماراتية ألقى مستثمر أوروبي مرموق كلمة حول الاتحاد الأوروبي أوضح فيها أن مؤسسي الاتحاد كانوا على دراية بأن توحيد السياسة النقدية (عن طريق توحيد العملة) من دون توحيد السياسة المالية (الميزانيات السنوية) لم يكن وضعاً مثاليّاً. ولكنهم كانوا على يقين بأن إجراء 11 استفتاءً شعبيّاً (عدد الدول الأولية المتبنية لليورو) في أواخر التسعينيات لن يبوء بالفشل فقط بل كان سيهدم مشروع “اليورو” ذاته. كما أن المؤسسين لم يعولوا كثيراً على توجيهات الحفاظ على نسب الديون تحت 3% من الناتج المحلي، بل إنهم كانوا يعلمون أن السبيل الوحيد للوصول إلى اتحاد مالي هو عن طريق أزمة اقتصادية من هذا النوع ولكنهم لم يتوقعوها بهذا الحجم. ولذا فإن صندوق الاستقرار والتسهيلات المالية الأوروبي هو في الواقع حاضنة وزارة المالية الأوروبية القادمة والقاعدة الذهبية التي تم الاتفاق عليها مؤخراً والتي تقضي بعدم جواز اقتراض الحكومات لتغطية المصروفات السنوية واقتصارها على أغراض الاستثمار مثال على ماهية الاتحاد الأوروبي الجديد.
وتقع السيادة الوطنية في صلب تجربة الاتحاد الأوروبي. فبينما تبدو التجربة محاولة لتحقيق نظرية “السلام الأبدي” لإيمانويل كانط التي تقضي بترسيخ علاقات اقتصادية عميقة بين الشعوب على افتراض أن ذلك سيقلل من احتمالية نشوب حرب بينها، فإن تكلفة هذا السلام الأبدي الحتمية هي خسارة الدول الأعضاء لسيادتها، أو الأضعف منها على الأقل.
والراهن أن الدرس الذي ينبغي أن تستخلصه دول الخليج من التجربة الأوروبية واضح: في ظل وجود تساؤلات جادة حول مدى استدامة هيمنة الدولار الأميركي باعتباره العملة الاحتياطية الأولى عالميّاً -العملة التي ترتبط بها جميع العملات الخليجية باستثناء الكويت- فإن تبني سياسة نقدية موحدة في غياب شفافية مالية ناهيك عن تنسيق لموازنات الدول الست قد تكون له عواقب وخيمة. وعلى رغم نسب الديون الخارجية من الناتج المحلي المتدنية، فإن تحديات التوافق الاقتصادي تتمثل في البطالة ودور القطاع العام في الاقتصاد ومدى نجاح خطط تنويع مصادر الدخل في ظل استشراف مرحلة ما بعد النفط.
لقد قامت أمانة مجلس التعاون الخليجي بعقد ورش عمل يومي الجمعة والسبت الماضيين في الرياض بمشاركة مجموعة من الأكاديميين والمحللين الخليجيين لمناقشة آفاق الاتحاد الخليجي. وقد قام الدكتور عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، والمشارك في الورش في اليوم الأول بنشر الآتي عبر التويتر: “3 خيارات اتحادية متاحة لنا، الخيار المستحيل هو خيار الوحدة، والخيار الصعب هو خيار الفيدرالية، والخيار الثالث الممكن هو التحول الاتحادي التدريجي”. وفي اليوم التالي كتب الدكتور عبدالخالق عبر التويتر: “الوقت مناسب لتغيير الاسم من التعاون الخليجي إلى الكيان الخليجي، ولكن الوقت غير مناسب لكيان جديد وبديل”.
إن أصعب الطموحات تلبية هي طموحاتنا الشخصية. ودول الخليج تعاني من ردود فعل متسرعة لتحديات متأخرة. وبما أن السيادة الوطنية ليست محل نقاش، فإن اتحاداً سياسيّاً غير ممكن. وإذا كان الهدف هو تعزيز القوة الدفاعية فعلى المجلس أن يكتفي بتحويل درع الجزيرة إلى “ناتو” عربي، وربما يكون هذا هو التعاون الأنسب بين دول الخليج ومملكتي الأردن والمغرب. وإذا كانت الاستدامة الاقتصادية هي الهدف، فعلى دول مجلس التعاون تفعيل اتفاقية السوق الخليجية المشتركة (2008).
إن التطلع لاتحاد خليجي تطلع نبيل وجدير بالثناء، ولكنه يبقى تطلعاً مثاليّاً لا يأخذ الواقع الحالي بعين الاعتبار. والأفضل أن نركز في المرحلة القادمة على الضرورات الملحة.
جريدة الإتحاد