كاتب إماراتي
بعد أقل من ثلاثة أشهر من الآن ينتظر العالم بشكل عام ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص حدثاً مهماً وخطيراً ستكون له انعكاسات جيو- سياسية واقتصادية على بلدان المنطقة، إذ من المتوقع إذا سارت الأمور وفق ما هو متفق عليه مبدئياً أن يتم توقيع الاتفاق النووي بين البلدان الست الكبرى وإيران حول برنامجها النووي المثير للجدل.
لا زال هناك احتمالان قائمان حول إمكانية التوصل إلى اتفاق من عدمه رغم التفاؤل، إلا أن عقبات حقيقية تقف أمام الصيغة النهائية، خصوصاً وأن الأميركان والغربيين عموماً لدغوا مرة من كوريا الشمالية التي أعطت الرئيس الأميركي السابق بل كلينتون نفس التعهدات بالنص الحرفي للاتفاق مع إيران، إلا أنه اتضح فيما بعد أنها خدعت المجتمع الدولي، وعمدت سراً إلى تفجير قنبلتها النووية الأولى بعد عشر سنوات من تقديم تعهداتها، فالأنظمة العقائدية والشمولية لا تلتفت كثيراً إلى سمعتها واتفاقياتها الدولية.
ومع أننا نتمنى التوصل إلى صيغة نهائية تجنب منطقتنا حرباً جديدة، إلا أنه لا بد من أخذ كافة الاحتمالات بعين الاعتبار، إذ إن عنصر المفاجأة، كما فعلت كوريا الشمالية ستكون كلفته باهظة للغاية في الحالة الإيرانية. ولكن لنفترض أنه تم التوصل لصيغة نهائية واحتفل الجميع بالتوقيع في إحدى المدن السويسرية الجميلة والبعيدة عن الأخطار والأزمات والحروب، فإن انعكاسات اقتصادية مهمة يتوقع أن تتمخض عن تجاوز أزمة الملف النووي الإيراني، بدليل أن العديد من دول العالم وشركاته الكبرى، بدأت في التحضير للحصول على بعض المكاسب التجارية والاقتصادية.
التأثير الأول يتعلق بأسعار النفط التي تهم كافة بلدان المنطقة، إذ أن رفع العقوبات عن إيران يعني تدفق استثمارات أحنبية كبيرة على قطاع النفط والغاز هناك، مما قد يؤدي إلى رفع الانتاج بنسبة كبيرة تبلغ 50% ليصل إلى 4.5 برميل يومياً، مما سيوجد فائضاً إضافياً، علما بأن ذلك لن يتم بصورة فورية بسبب تقادم الآبار والبنية التحتية المتضررة بفعل العقوبات. وفي هذه الحالة، فإن الدول المنتجة ربما تدخل في حرب أسعار ستؤدي إلى زيادة الإنتاج يقابلها تدني في العائدات، وهو ما سيحد من استفادة الاقتصاد الإيراني ويؤثر أيضاً في اقتصادات البلدان الأخرى المنتجة للنفط.
الجانب الآخر، هو جانب تجاري واقتصادي مهم للغاية لبلدان المنطقة، إلا أن درجة تأثيراته الإيجابية ستتوقف كثيراً على توجهات السياسة الإيرانية وتدخلاتها في الشؤون الداخلية لبلدان المنطقة، فإذا أصرت على إقامة الإمبراطورية الفارسية وفق إعلاناتها الرسمية، علما بأن زمن الامبراطوريات ولى منذ زمن بعيد ولا توجد إمبراطوريات في الوقت الحاضر، فإن مزيداً من التوترات ستحدث في منطقة الخليج ستؤدي إلى عدم الاستفادة من هذا الاتفاق، سواء بالنسبة لبلدان المنطقة، أو بالنسبة لإيران نفسها، علما بأن هناك مجالات واسعة للتعاون بين الطرفين العربي والإيراني، فأمام السلع الإيرانية ستفتح أسواق الخليج الاستهلاكية الغنية، كما أن موانئ الضفة العربية يمكن أن تساعد إيران على تلبية احتياجاتها الكبيرة من السلع والخدمات، علما بأن التبادل التجاري بين الطرفين تراجع بنسبة كبيرة بلغت 50% في الأعوام الخمسة الماضية.
هذا التعاون الاقتصادي المهم على ضفتي الخليج متاح فقط إذا ما تلا توقيع الاتفاق توقف إيران عن النظر إلى الماضي وعن طموحاتها الشوفينية والنظر إلى المستقبل للاستفادة من هذه الفرصة التاريخية التي ستكون مردوداتها الاقتصادية كبيرة على شعوب المنطقة، بما فيها الشعب الإيراني الذي أنهكته العقوبات. من الجانب العربي لا توجد تطلعات إمبراطورية، بل إن دول مجلس التعاون الخليجي بلدان مسالمة وتنشد الاستقرار، بدليل أنها تركز على بناء اقتصاداتها وعلى تنمية كافة أشكال التعاون مع كافة بلدان العالم، بما فيهم إيران بحكم القرب الجغرافي بشرط الاحترام المتبادل بين الجيران وتغليب المصالح المشتركة على أفكار الماضي البالية التي لا تقود إلا إلى الدمار والفشل.
المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=84300