كاتب سعودي
أعرف أن عددا لا بأس به من القراء الأعزاء لا يقبلون أي كلمة ضد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو أعضائها مهما كان حجم الخطأ، لذلك ومراعاة لمشاعرهم الرقيقة لن أتحدث عن الحوادث الفردية التي تنشرها الصحف بين وقت وآخر، والتي قد يصاحبها (دعسة) من بطن مواطن عن طريق الخطأ غير المقصود أو مطاردة هوليودية تنتهي بنتيجة كارثية رغم منع المطاردات، فمثل هذه الحوادث المتكررة (النادرة!) لا تغير شيئا في حركة التاريخ، ولا تلغي حقيقة أن بعض حراس الفضيلة ــ حماهم الله ــ يخطئون من أجل تصحيح مسار حياتنا وتقويم سلوكنا، لذلك لن أكون مثل بعض الزملاء ــ هداهم الله ــ الذين يصطادون في الماء العكر ويتوقفون عند (رفسة) هنا أو (كف) هناك.
حديثنا اليوم سيكون حديثا إداريا خالصا حول جهاز حكومي أثيرت حوله بعض الشبهات التي تستلزم تدخل الجهات المعنية بمكافحة الفساد، فقد نشرت جريدة الحياة أكثر من موضوع حول بلاغات تتعلق بمخالفات إدارية في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل يعتبر مثل هذا الحديث أيضا تشويشا على عمل رجال الحسبة؟!، وهل سيتم تصنيف أي مطالبة بنبش هذه الملفات والتحقيق مع المخالفين على أنها خطوة علمانية ليبرالية صهيونية أطلسية والعياذ بالله؟!، وهل من واجب المسلم التقي النقي أن يتغاضى عن هذه الأمور الهامشية في سبيل مناصرة الفضيلة ومحاربة الرذيلة؟، وأي فضيلة تلك التي يمكن أن يصنعها موظف تم تعيينه بطريقة مخالفة للنظام، وأي رذيلة تلك التي يمكن أن يردعها جهاز يرى القائمون عليه أنهم فوق المساءلة؟!.
حسنا.. لقد ذكرت صحيفة الحياة، أمس، أن المتحدث الرسمي للهيئة هدد عبر (الواتس أب) كل من ينشر معلومات حول مخالفات الهيئة بالملاحقة القانونية، بعد أن حاول محررها أخذ رأيه في الشكاوى والبلاغات المقدمة ضد الهيئة؛ لذلك يمكننا أن نقول بأن الهيئة هي التي رفضت عبر متحدثها الرسمي أن توضح للجمهور حقيقة ما أثير حول هذا الهدر في الأموال العامة والمحسوبية في التوظيف التي وصلت حد تعيين أربعة أشقاء دفعة واحدة، أربعة أشقاء في الهيئة!..أتخيلهم وهم يذهبون إلى الدوام في جمس واحد!، بل وأتخيل أن الهيئة الموقرة قررت ترشيدا للنفقات وضعت لوحة على منزلهم باعتباره أحد فروع الهيئة و(يمسكون الحارة ورديات)!.
وقد أشارت الحياة إلى أن أحد الموظفين الأربعة تم تعيينه في منصب مساعد المدير العام ومنصب آخر بالتكليف بعد مضي ثمانية أشهر على توظيفه، وهذا مخالف لنظام الخدمة المدنية الذي يشترط مرور سنة كاملة على التعيين لا يجوز خلالها تكليف الموظف بعمل خارج مقر وظيفته، كما أشارت الجريدة إلى صرف انتدابات لعدد من الموظفين للعمل في موسم الحج الماضي وهم في مقر عملهم بالرئاسة بالرياض، بالإضافة إلى صرف مكافآت دون وجه حق لعدد من الموظفين للإشراف على المؤتمرات، ولكي يتعاطف أنصار الهيئة (مهما فعلت) مع هذا الموضوع أود لفت انتباههم إلى أن هذه المخالفات التي ارتكبها بعض رجال الحسبة كانت على حساب رجال آخرين لم يحصلوا على هذه الانتدابات والمكافآت، وأن هذه التعيينات التي يتم داخلها في محيط أسري حميم كانت على حساب فرص تعيين رجال محتملين أحق بهذه الوظائف، بل إن هذه الخطابات والشكاوى من المرجح أنه تم تقديمها من قبل أعضاء لم يعجبهم هذا الحال المائل، فكشفوا المستور لأنه من المستحيل أن يتسلل شخص معاد للهيئة ويعرف كل هذه التفاصيل ويصل إلى الوثائق والخطابات، إلا إذا كان محتجزا في الأرشيف بعد ضبطه في خلوة غير شرعية!.
في الأسبوع الماضي، أشرنا إلى البلاغات التي تم تقديمها إلى هيئة مكافحة الفساد بخصوص المخالفات المالية في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي كان من بينها صرف سلفة لتغطية تكاليف مؤتمر الأمن الفكري، رغم أن هذا المؤتمر تمت تغطية تكاليفه من قبل إحدى الجامعات، وكذلك استئجار مبنى بقيمة تفوق القيمة التي تم اعتمادها رسميا لاستئجار المبنى ذاته من قبل جهة حكومية، وقد رفض المتحدث الرسمي لهيئة الأمر بالمعروف يومها التعليق على هذه البلاغات، بينما فضلت هيئة مكافحة الفساد انتظار عودة رئيسها من الخارج كي تنظر في هذه البلاغات.
ما نود الوصول إليه هو أن إضفاء هالة من القدسية على أي جهاز حكومي يجعل من مراقبة أداء العاملين فيه مسألة في غاية الصعوبة، ويشجع بعض الأفراد فيه على ارتكاب الأخطاء والمخالفات الجسيمة، وهم واثقون بأن أي محاولة لمحاسبتهم أو مجرد انتقادهم سيتم تفسيره على أنه محاربة للإسلام، وهذا الواقع سوف يشجعهم على ارتكاب المزيد من الأخطاء، فهيئة الأمر المعروف والنهي عن المنكر هي جهاز حكومي لا يختلف عن أي جهاز حكومي آخر حتى في تجاوزاته الإدارية!.. والسكوت على الفساد لا يمكن أن يؤدي إلى نشر الصلاح، لذلك يجب أن تبدأ التحقيقات فورا في هذه المخالفات حتى لو تذمر المتعاطفون وأبدى المسؤولون غضبهم عبر بدعة الواتس أب!.
المصدر: عكاظ