رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
مشكلة الازدحامات، بل الاختناقات المرورية، إذا اعتبرنا الاختناق مرحلة أكثر صعوبة من الازدحام، طلّت من جديد، وبشكل أسوأ من السنوات الماضية، ولم تنفع معها كل المليارات التي تم صرفها على توسعة الطرق، وفتح شوارع جديدة، وبناء المزيد من الجسور والأنفاق، وخلاف ذلك، لم تنجح مشروعات التوسعة، ولا يمكن أن تنجح، لأنها مجرد حل مؤقت يخدّر الموقع فترة بسيطة، ثم ما يلبث الألم أن يعود بعد انتهاء مدة المخدر!
أسباب الازدحامات المرورية كثيرة، ولا داعي لإعادة ذكرها، فالجميع يعرفها، ويعرف تفاصيل التفاصيل عنها، والمشكلة التي بدأت تكبر بشكل أسوأ تكمن في الضرر الذي بدأ يلحق بسكان المناطق الواقعة على الطرق الرئيسة المزدحمة، تحولت حياتهم إلى معاناة حقيقية، في الخروج من المنزل أو الرجوع إليه، من دون ذنب اقترفوه سوى أن حظهم أوقعهم على معبر الذاهبين والعائدين يومياً من الشارقة وإليها!
المشكلة ليست في الطرق، ولا في مشروعات البنية التحتية التي تنفذها هيئة الطرق، فهي واحدة من أفضل الطرق عالمياً، وبنية دبي التحتية متفوقة على مدن عالمية أوروبية وأميركية، لكنها تبقى ذات قدرة استيعابية محدودة، سرعان ما تمتلئ بالسيارات حتى بعد توسعتها مرات عدة، وبناء عليه فإنه من المنطقي أن تبدأ خطوات معالجة الازدحامات من أساس المشكلة لا من نتائجها، وأساس المشكلة يكمن في الزيادة الكبيرة لعدد السيارات، ونتيجة لهذه الزيادات ظهرت الازدحامات، وستستمر في الظهور بشكل أسوأ سنوياً، لأن الزيادة في أعداد السيارات تسير نحو الأعلى سنوياً أيضاً!
لا سبيل أخرى لحل المشكلة، مخطئ من يعتقد غير ذلك، وأضم صوتي بشدة إلى صوت الأخ العزيز المهندس حسين ناصر لوتاه، مدير عام بلدية دبي، وأطالب باسم جميع المواطنين المتضررين من الازدحامات المرورية، كما طالب هو في تصريحات صحافية «الجهات المختصة بتقنين ملكية السيارات على مستوى الدولة، وأن تخضع العملية لمعايير وشروط يجب أن تتوافر في الشخص، ليتمكن من امتلاك سيارة»!
بالتأكيد الوضع الحالي مزعج، ويهدد بتفاقم الأزمة، فالطريق مفتوح لكل من أراد امتلاك سيارة، جديدة كانت أو مستعملة، بل هناك سيارات لا تتعدى قيمتها 3000 درهم تعيث في البيئة فساداً، وتلوثها بشتى الطرق، وتعرقل حركة السير مفاقمة الازدحامات، ولا يمكن تحت أي قانون منعها ومنع صاحبها من ذلك! مع أن حجم الضرر الفعلي بيئياً يفوق بأضعاف مضاعفة سعر السيارة!
لابد من وضع ضوابط ومعايير، بالاعتماد على حد أدنى للراتب مثلاً، أو نوعية الوظيفة، أو عدد أفراد الأسرة، أو أي معايير أخرى، المهم أن تصل الجهات المختصة إلى القناعة اللازمة بضرورة تقنين امتلاك السيارات في الدولة، بل إن المصلحة العليا الاجتماعية والبيئية تحتم الوصول إلى هذه النتيجة، وإلى أكثر منها أيضاً، مثل «تقليل حصة الشركات من السيارات في السوق»، كما يرى حسين لوتاه!
غير ذلك، لا حلّ على المدى القريب، وهناك مأساة حقيقية على المدى البعيد، فالسكان يتضاعفون، والسيارات تتضاعف أيضاً، والشوارع تضيق، والحكومة تصرف مليارات حالياً، ولا أعتقد أنها تستطيع صرف مليارات أخرى لتوسعة طرق حديثة، وإنشاء جسور وتقاطعات علوية إضافية عند كل نقطة اختناق، والقطاع الخاص يسهم في المشكلة ولا يسهم في الحلول، والمواطنون تضيع أوقاتهم بالساعات في الشوارع، بسبب مشكلة لا دخل لهم فيها، والحكومة تنفق أموالاً هائلة جراء هذا الوقت الضائع!
المصدر: الإمارات اليوم