رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
لم أتخيل حجم معاناة قطاعات الأعمال من ارتفاع الكُلفة إلى أن جاءتني الردود التي لم تتوقف على المقالات السابقة، التي تحدثت فيها عن ارتفاع كُلفة الأعمال والرسوم في الآونة الأخيرة، فالردود والتعليقات والاتصالات شملت، ومن دون مبالغة، معظم القطاعات، الجميع لديه ملاحظات، والجميع يعاني، ولا فرق هُنا بين شركات كبيرة أو متوسطة أو صغيرة، كلها تأثرت سلباً بمبالغة الدوائر في رفع الرسوم، وكلها تضرّرت بسبب ارتفاع كُلفة ممارسة الأعمال والإجراءات.
شركات استيراد وتصدير، قطاع المحاماة، قطاع مشاريع الشباب، قطاع الذهب، الإنشاءات والمقاولات، المطاعم والمطابخ الصغيرة والمتوسطة، المعارض والمؤتمرات التي يديرها ويملكها رجال أعمال شباب، هؤلاء وغيرهم، يعانون ويئنّون، وجميعهم لديهم ملفات عن أمثلة وأدلة على ارتفاع الرسوم بطريقة غير مبررة وغير معقولة، ولديهم أدلة على صعوبة ممارسة الأعمال مع ارتفاع الكلفة بشكل كبير، لكنهم جميعاً متفائلون بتدخل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهم واثقون بأن سموه سيُعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي والمعقول، وجميعهم مؤمنون بأن تدخله سينعكس إيجاباً، دون شك، على قطاع الأعمال بشكل عام!
بالتأكيد ليست زيادة الرسوم هي وحدها التي أضرت الاقتصاد، وزادت الكُلفة على المستثمرين والمستهلكين، هي سبب من مجموعة أسباب، فالعملية كلها مترابطة، وهي سلسلة يجرّ بعضها بعضاً، كلما تحركت إحدى حلقاتها صعوداً حرّكت بقية القطاعات، ما يجعل الأمر يتضاعف في النهاية على المستهلك، الذي يتحمل كل هذه الأعباء!
المبالغة في الرسوم هي أحد الأسباب، هذا صحيح، لكنها قد تكون أهم الأسباب، والمشكلة أن هذه الرسوم مزدوجة من قبل الدوائر المحلية، والوزارات الاتحادية في آن واحد، وفي بعض الأحيان يدفع المستثمر مبالغ لخدمات متشابهة هنا وهناك، ولا شك إطلاقاً في أن تكاليف استقدام وتجديد ترخيص العمالة هي الأعلى وهي الأكثر ازدواجية، وهي سبب رئيس في عزوف الكثيرين عن الدخول للقطاع، وسبب رئيس في خروج كثير من الشباب المواطنين من قطاع الأعمال، وبخلاف هذه الرسوم السنوية، تأتي أيضاً رسوم الإجراءات وممارسة الأعمال، وهي أيضاً مرتفعة وتشمل كل معاملة، وكل ورقة، وكل ختم، في كل مكتب في دائرة أو وزارة، تليها ارتفاعات في نشاطات حياتية مهمة، كالإيجارات والتعليم والصحة، ثم تأتي الفواتير الشهرية كالكهرباء والماء والهواتف، وعند جمع كل هذه التكاليف، فإن العائد الحقيقي لا يكون مجدياً لأي مستثمر أو تاجر، في أيٍّ من القطاعات التجارية المعروفة، وتالياً فليس من الغريب أن يرفع سعر بضاعته ضعفين وثلاثة، كي يستطيع المقاومة والاستمرار، ما يعني أن المستهلك الأخير هو أكثر المتضررين من هذه الدوامة!
الجميل في الموضوع أن خطوات حل هذه المشكلة بدأت بالاعتراف بها، وما دمنا عرفنا أين يكمن الخلل، فإن حل ذلك الخلل أصبح مسألة وقت، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة مشاركة ومساهمة القطاعات كافة في وضع الأفكار والخطوات اللازمة لتجاوز هذه المشكلة، ولابد من الجلوس مع الجميع، ليس مع كبار الشركات والمستثمرين فقط، وإنما مع جميع أصحاب الأعمال بمختلف شرائحهم وأعمارهم، فالشركات الصغيرة والمتوسطة هي الأكثر تضرراً من الكبيرة!
المصدر: الإمارات اليوم