حدد إنِك آندرسون، المدير التنفيذي، رئيس شركة بلاكروك الشرق الأوسط، ثلاث سيناريوهات تواجه الاقتصاد العالمي الهش. وقال آندرسون أن الاقتصاد العالمي يواصل انتهاج نفس نمط التطور الذي انتهجه منذ إصابته بركود عميق بين عامي 2008 و2009. ورغم انتعاشه المحدود، لا يزال الاقتصاد العالمي ضعيفاً، خاصة في ظل استمرار وجود معدلات البطالة المرتفعة.
ووفقاً لآندرسون يتمثل السيناريو الأول والأخطر والمحتمل الحدوث، في «صدمة اقتصادية» ومالية قوية جداً، وأكثر ضرراً من الركود التقليدي. ويبدو مثل هذا الخطر مقتصراً على أوروبا إلى حد كبير في الوقت الراهن، ويتمثل في عواقب الانهيار المحتمل لمنطقة اليورو.
ورغم أن هذا الاحتمال منخفض، إلا أنه ليس منخفضاً إلى الدرجة التي تبرر استبعاده تماماً، فقد تكون الصدمة عالمية. أما السيناريو الثاني، فيشير إلى اختلاف معدلات النمو الاقتصادي بعض الشيء بين مختلف مناطق العالم، في ما يعود سببه جزئياً إلى تعثر أداء الاقتصاد الأوروبي.
ويبدو أن هناك إرادة سياسية وعدداً كافياً من خيارات السياسات البديلة الكفيلة بتسوية أزمة منطقة اليورو. إلا أن الفترة الزمنية الطويلة التي يحتاجها تحقيق ذلك، والتحديات السياسية التي سوف يجب مواجهتها خلال تلك الفترة، تعني ضمناً أن المخاطر الاقتصادية والمالية المادية ستظل قائمة.
وسوف تواصل أزمة أوروبا التأثير في نمو الاقتصاد العالمي، حتى في ظل احتمال نجاح اليورو في البقاء. ويتمثل السيناريو الثالث الذي لا يتعارض مع سيناريو «اختلاف توجهات النمو»، في الجمود. إذ إنه، إضافة إلى تباطؤ نمو الاقتصادات المتقدمة المشار إليه أعلاه، تواجه الاقتصادات الناشئة أيضاً تحديات للنمو. فقد استقر معدل نمو الاقتصاد الصيني العام الماضي، رغم استمرار ارتفاعه بشكل واضح، مقارنة مع سائر اقتصادات العالم ومستوياته في العقود السابقة. كما تباطأ معدل نمو الاقتصاد البرازيلي بحدة، بينما واجهت الهند ارتفاعاً في معدل التضخم ومخصصات الإنفاق في الميزانية وعجز الحسابات الجارية.
الظروف الحالية
وشكلت الظروف الاقتصادية العالمية تحديات كبيرة لعام 2012، وتمثَّل التركيز الذي تصدر الساحة ذلك العام، هو الانتعاش الاقتصادي عقب تباطئه في منتصف عام 2011، بالتزامن مع بروز بعض المؤشرات على تراجع طفيف لضغوط أزمة الديون السيادية لمنطقة اليورو، لكن معدلات النمو الاقتصادي عادت للتباطؤ مؤخراً. ولم تظهر مؤشرات على حدوث ركود اقتصادي سوى في أوروبا حتى الآن، نتيجة لتجدد أزمة ديون منطقة اليورو. لكن النشاط الاقتصادي شهد تباطؤاً في الولايات المتحدة الأميركية وكبرى الاقتصادات الناشئة أيضاً.
الدورات الاقتصادية
وتختلف الدورة الاقتصادية العالمية الراهنة بالفعل عن سابقاتها، ويعكس ذلك إلى حد كبير الضغوط الهادفة إلى تخفيض معدلات دعم القروض للتمويل، ما يعني حاجة بعض الحكومات والشركات والعائلات إلى تخفيض نفقاتها لتعزيز ميزانياتها. وتختلف حدة هذه الضغوط من دولة إلى أخرى، ما يؤدي إلى اختلاف أنماط الدورات الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم، وتباطؤ النمو الاقتصادي. وفي السياق ذاته، لا تزال المحَفِّزات التقليدية للنشاط الاقتصادي، أمثال السياسات النقدية، وتحركات أسعار السلع الأساسية، تلعب دوراً مهماً جداً، وينطبق ذلك بصفة خاصة على الاقتصادات الناشئة التي تعاني ضغوطاً أقل حدة، من تلك التي تتعرض لها الاقتصادات المتقدمة لتخفيض معدلات القروض في التمويل.
تفاعل المحفزات
ويعتبر هذا التفاعل بين المحفزات الاقتصادية «القديمة» و«الحديثة»، مفتاحاً لفهم سبب تباطؤ الاقتصاد العالمي في النصف الأول من عام 2012. ففي أوروبا، أدى مزيج من السياسات المالية المتشددة، ونظام مصرفي متعثر، إلى تعميق الركود الاقتصادي في دول أطراف الاتحاد الأوروبي، وإلى حدوث ركود اقتصادي في ألمانيا. وفي أماكن أخرى من العالم، اكتسب التباطؤ الاقتصادي طابعاً أكثر تقليدياً، حيث أدى انتعاش سعر النفط أوائل العام إلى تراجع القوة الشرائية للمستهلكين، وانخفاض معدلات الاستهلاك الشخصي. وفي الوقت الذي تتجه فيه الأحوال النقدية في العديد من الاقتصادات الناشئة إلى التعافي، لا يزال تأثير سياسات التقشف التي تم انتهاجها العام الماضي واضحة.
شكوك محيطة
ونظراً للشكوك التي تحيط بالدورة الاقتصادية الراهنة، فلا تحبذ التوقعات مُبَسَّطَة. ولذلك فنحن نقترح السيناريوهات التالية لمحاولة فهم وتفسير الواقع المعقد. وقد تبدو بعض السيناريوهات ذات نسبة حدوث منخفضة، إذ إننا لا نزال على سبيل المثال، نشكِّك باحتمال ارتفاع معدلات التضخم على المدى القصير، ورغم معاودة ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال الأسابيع القليلة الماضية، إلا أننا لم نشهد تأثير انخفاض أسعار السلع الأساسية على التضخم في العديد من الدول. كما لا تبدو هناك دلائل تشير إلى نمو اقتصادي قوي، بل على الأرجح سنشهد ارتفاع معدل التضخم. وقد يكتشف العديد من البنوك المركزية في الواقع قريباً، أن معدل التضخم أكثر انخفاضاً من المعدل الذي يخدم سياساتهم.
دلائل الخروج
وليست هنالك دلائل على خروج الاقتصاد الأوروبي من مرحلة الركود. إلا أنه من المرجَّح أن يظهر عاملان داعمان للاقتصاد العالمي خلال الأشهر القليلة المقبلة، يتمثلان في تأثير انخفاض أسعار السلع الأساسية، واستمرار موجات تخفيف حدة السياسات النقدية في الاقتصادات الناشئة، ما سوف يؤدي إلى حل أسباب التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي حدث في النصف الأول من 2012. ففي الولايات المتحدة الأميركية، تؤكد المؤشرات إلى تدني أسعار السكن، والموقف المالي القوي للشركات الأميركية ووضع البنوك الأميركية مقارنة مع البنوك الأوروبية، وهذا يعني أن الضغوط التي تستدعي إنقاذ القطاع الخاص الأميركي انخفضت بشكل كبير.
أسباب التباطؤ
يتمثل أحد أهم أسباب تباطؤ معدل نمو اقتصادات الأسواق الناشئة، في السياسات التي تم تبنيها لمواجهة الضغوط التضخمية التي نجمت عن طفرة النمو التي حدثت عامي 2009 و2010. وكما أشرنا أعلاه، فإن الوضع بدأ ينعكس الآن، حيث نشهد استقراراً في معدلات تباطؤ نمو اقتصاداتها. إلا أن بعض التحديات الأطول أجلاً لا تزال مهمة. ففي الصين على سبيل المثال، وفي الوقت الذي يرجِّح فيه المحللون تفاديها لهبوط قاسٍ لاقتصادها، من المستبعد أن تنجح الصين بالمحافظة على معدلات النمو الاستثنائية التي تمتع بها اقتصادها خلال العقود القليلة الماضية، نظراً لتحول نموذج عمله بمرور الوقت، من نموذج قائم على النمو المستند بصورة أساسية إلى الاستثمار والتصدير، إلى نموذج يمنح دوراً أكبر لتنمية الطلب الاستهلاكي المحلي. وفي الهند، يوحي أداء الاقتصاد المحلي مؤخراً، بحاجة ملحة لإجراء إصلاحات هيكلية كفيلة بدعم النمو الاقتصادي.
المصدر: البيان