كاتب اماراتي
عمّرت دولة الخلافة 1292سنة، حكمها نحو 172خليفة وأميراً للمؤمنين، وفي فترات طويلة من عمرها كان هناك أكثر من خليفة في وقت واحد. وأساس دعوات عودة الخلافة قائمة على سيرة خمس خلفاء حكموا 31 سنة، أي 2.3 في المئة من عمر الخلافة.
وعلى عكس القاعدة التي تقول: “العبرة بالغالب الشائع لا بالقليل النادر”، يسلط دعاة عودة الخلافة الضوء على الفترة الذهبية والقليلة النادرة من عمرها، لأن الناس ببساطة سينفضّون من حول دعوتهم حين يجدون أن أغلب فترات الخلافة كانت صراعاً على المُلك، واستئثاراً بالسُلطة والثروات، وإخضاعاً للرقاب باسم الله.
التاريخ يقول: إن خلفاء الفترة غير الذهبية كانوا رجال سياسة وحسب، يفكرون ويخططون ويتحركون كما يفعل أي سياسي معاصر، إضافة إلى استغلال الدين على طول الطريق، وأستعرض هنا صفحات من تلك الفترة عن معركة “نصيبين” أو “نزيب” التي وقعت بالقرب من حلب.
حيث التقى الجيش التركي بالجيش المصري، وكان أحد قادة الجيش الأول بارون ألماني يدعى مولتكه، وفي الطرف الآخر كان الكولونيل سيف، وهو ضابط فرنسي عهد إليه محمد علي، والي مصر من قبل الخليفة، بتأسيس جيش مصر وفق النظم الحديثة، ففعل وأَسلم وصار يدعى سليمان باشا الفرنساوي. ولم يلتقي الجيشان هناك لإجراء مناورات مشتركة، أو للزحف تحت راية واحدة على بلاد الكفار وإعلاء كلمة الله فيها، وإنما ليضرب أهل لا إله إلا الله رقاب بعضهم بعضاً تحت إشراف ألماني وفرنسي أعلن إسلامه.
وسبب المعركة أن محمد علي طلب أن يحكم الشام مكافأة له بعد أن سحق الوهابيين بأوامر من السلطان العثماني، وساهم بقواته في القتال مع الجيش التركي ضد اليونانيين. وأمام المماطلة في إجابة طلبه، قرر الرجل “فتح” بلاد الشام، فتوجه ابنه إبراهيم باشا إلى الشام واستطاع الاستيلاء على غزة ويافا والقدس بسهولة لكنه تقهقر أمام قلعة عكا التي بقيت تقاوم ستة أشهر، رغم شراسة الهجوم، لدرجة أنه ألقي عليها في يوم واحد 3 آلاف قنبلة، حتى سقطت في النهاية.
في أثناء ذلك، كان محمود الثاني يحشد المفتين لإصدار فتوى بخروج محمد علي عن طاعة أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين، وحين وصلت الفتوى إليه، سخر منها واجتمع بشيوخ الأزهر طالباً منهم الرد عليها بفتوى مضادة!
أما إبراهيم باشا، فقد اقترب بقواته من تخوم اسطنبول، فدبّ الفزع في أوصال أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين، وكذلك في العواصم الأوروبية التي كانت تخشى من التهام محمد علي تراث “الرجل المريض” بدلاً من أن تتقاسم هي هذه التركة الكبيرة، كما ينقل علي الوردي في كتاب له.
ولم يجد أمير المؤمنين طريقة لإنقاذ خلافته سوى الاستنجاد بروسيا التي أرسلت البوارج البحرية إلى البوسفور لحماية سلطان المسلمين، من أطماع أحد الولاة المسلمين! وبذل السفراء الأوروبيون مشكورين جهوداً كبيرة للصلح بين الفريقين، ونجحوا في مسعاهم وأُبرم الصلح على أن يتولى محمد علي حكم الشام، بشرط ألا يورّث الحكم إلى أولاده من بعده. لكن السلطان ما كان ليرضخ للأمر الواقع، فأخذ ينظّم جيشه مستعيناً بالضباط الألمان استعداداً للمعركة القادمة. وفي صباح 24 يوليو 1839 التقى الجيشان التركي والمصري قرب حلب، وبعد سويعات قليلة انهار الجيش التركي وشاعت فيه الفوضى.
وهكذا كان حال الخلافة في أغلب الوقت، وأوضاع البلاد العربية والإسلامية مجرد امتداد لذلك التاريخ، لكن دعاة عودة الخلافة يخفون كل ذلك تحت سجادة الخلافة الراشدة، لإيهام الناس بأن أحوالهم لن تصلح إلا بوجود خليفة للمسلمين، أو مرشد عام.
المصدر: الاتحاد