كاتب و مدون سعودي
خلال الأسبوعين الماضيين انشغل الناس في مواقع التواصل الاجتماعي بقضيتين رئيسيتين، تمثلت الأولى بحملة ٢٦ أكتوبر التي دعت لقيادة المرأة للسيارة، والثانية بحالة التحرش التي تعرضت لها مجموعة من الفتيات في مجمع تجاري في مدينة الظهران من قبل بعض الشباب وفي وضح النهار وأمام جموع غفيرة ممن يصطفون كعادتهم لمعرفة ما يحدث، دون أن يكون لهم أي دور سوى التصوير وإطلاق صرخات الراقصات.
في المجتمع السعودي هناك تياران رئيسيان تختلف الرؤى بينهما جذريا، أو هكذا يبدو عند النظر للمسائل المرتبطة بالمرأة وبالمطالبات الإصلاحية الإدارية الخاصة ببعض المؤسسات التربوية والفكرية التي تسيطر على المشهد الاجتماعي منذ عقود.
لكل طرف مؤيدون ومريدون ولكل طرف حججه واستدلالاته، ففي جانب نرى طرفا يميل إلى النظرة الأكثر معاصرة لمناقشة الأمور من منطلقات منطقية واجتماعية وأمنية، في حين نجد أن الطرف الأكثر تشددا يميل الكثير من كوادره لممارسة لغة التخوين والتكفير والقذف الصريح باسم المحافظة على الموروث الذي يرون أنه يجب أن يبقى ثابتا، ولا يمكن مواءمته من منطلق أن الدين صالح لكل زمان ومكان، حيث يستخدمون ذرائع مختلفة، جلها لم تعد مقبولة لا دينيا ولا واقعيا.
الغريب في الأمر أن الطرف الذي طالما اتهم المتشددون أفراده بأنهم دعاة انحلال المرأة كانوا أول من أقام الدنيا على مشهد التحرش الذي تعرضت له الفتيات في الظهران، مطالبين بمعاقبة المتحرشين وبسرعة سن القوانين التي تحمي المرأة من الذئاب البشرية ومن “الأوباش” الذين بلينا للأسف بهم في مجتمع هو نتاج النظرة المتشددة للدين والتي تعمل على تخويف الناس بدل الدعوة إليه بالتسامح واللين.
لم نجد من قبل المدعين بحماية المرأة من أتباع لغة التكفير ومستخدمي كلمات القذف أي هجوم يدعو لحماية المرأة والطفل و القاصر من استغلال السادية الإنسانية ممن يرى في المرأة أنها غنيمة شخصية وخادمة تابعة لا إنسانية لها إلا بقدر جسدها وفطرتها التي ترضيه.
كيف يمكن أن يقذف شخص -يدعي المحافظة والتدين- أخاه المسلم؟ وكيف لا يغضب من تعرض فتيات للتحرش وهو المدعي بسعيه الدائم لحمايتها؟! وكيف تصبح قيادة المرأة في سلم أولوياته أخطر على المجتمع من التحرش وزواج القاصرات والتعنيف الأسري؟!.
التدين الإلكتروني -كما أسميه- هو المنتج الجديد الذي خرج علينا، فهو الفكر الذي يدعي الدين بينما محركه الأساسي عنصرية رجعية ضد المرأة وعنصرية فكرية ضد المخالف وعنصرية نفسية ضد أي تغيير وإصلاح، هؤلاء هم منافقو العصر الحديث.
المصدر: الوطن أون لاين