باحث إماراتي
30 يونيو (حزيران) الحالي هو اليوم الموعود للوصول إلى اتفاق نهائي بين إيران ومجموعة «5+1» حول البرنامج النووي. ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 شهدت هذه المفاوضات حراكا حقيقيا مهدت له لقاءات سرية بين الولايات المتحدة وإيران، وعلى الرغم من ذلك، فإن ملفات شائكة قد دفعت باتجاه تمديدها مرة تلو الأخرى، ليأتي 30 يونيو الحالي بوصفه موعدا حاسما.
ولكن مهلاً؛ هناك صوت قادم من إيران، إنه وزير الخارجية الإيراني يقول: «ليس الوقت هو المهم، ولكن المضمون». والمقصود بالمضمون هنا هو بنود الاتفاق الذي من المتوقع أن يبصر النور في 20 صفحة و5 ملاحق كما أكد عباس عراقجي.
لا أحد من أطراف المفاوضات يرنو إلى تمديد المفاوضات، ولكن تصريح ظريف تُرسم معه علامات استفهام وحيرة.
نسير مع القارئ في هذا المقال لنلقي الضوء على معضلة جديدة أصبحت تتصدر أولويات هذه المباحثات؛ بل وأصبحت مرتكزا ومعيارا سواء لفشل هذه المفاوضات أو نجاحها.
قبل الخوض في غمار هذه المعضلة، ولإعطاء القارئ الكريم صورة شاملة للمعضلات التي مرت بها هذه المباحثات منذ نوفمبر 2013، نقول إن حق التخصيب من عدمه كان النقطة الرئيسية والمعضلة الافتتاحية، ولكن انتهى المطاف بالاعتراف لإيران بحق التخصيب ليكسب النظام الإيراني هذه الجولة في مقابل كسب الطرف الآخر خفض التخصيب من نسبة 20 في المائة إلى أقل من 5 في المائة. ولكن يبقى هذا الأمر وقتيا؛ حيث يحق لإيران أن تستأنف رفع نسبة التخصيب لاحقًا.
النظام الإيراني يرفض التنازل عن أجهزة الطرد المركزي.. إنها معضلة أخرى.
فالمرشد يتطلع إلى أن تصل هذه الأجهزة من نوع «IR1» إلى 190 ألف جهاز. تنتهي هذه المعضلة بأن تخفض إيران أجهزة الطرد المركزي إلى قرابة 6 آلاف جهاز، ومرة أخرى يمكن لإيران أن ترفع هذا العدد وفق حاجتها لاحقًا.
يعود ظريف وفريقه إلى طهران ويُستقبل استقبال الأبطال في المطار.. يطالعنا المرشد الإيراني بعدها مبديا استغرابه من ذلك لأن أمرًا لم يحدث بعد.
ويبدو أنه كذلك، فما أن انفض ذلك الاجتماع في لوزان حتى بدأ التباين في القراءة بين إيران والولايات المتحدة يتجلى حول ما عُرف بـ«FACT SHEET».
وها هي معضلة أخرى تطل برأسها.. إنها مسألة رفع العقوبات.
ففي الوقت الذي تؤكد فيه القراءة الأميركية على الرفع التدريجي للعقوبات، يأتي الرفض القاطع من إيران على الفور ومن جميع المسؤولين.. فحسن روحاني، ووزير خارجيته، وكذلك قادة الحرس الثوري، يؤكدون على الرفع الفوري والشامل بمجرد التوقيع.
يتساءل القارئ: هل تم التوصل إلى حل لهذه المعضلة؟
الحقيقة أن الرؤية ما زالت ضبابية، وأن المؤشرات تؤكد على صعوبة الرفع الفوري للعقوبات، لأنه، وفق الرؤية الأميركية، لا بد أن يكون تدريجيا ويتزامن مع خطوات يقوم بها الطرف الإيراني، وأن.. وأن.. فجأة تقاطعنا معضلة أخرى لتزيد من ضبابية سابقتها وتخفت التجاذبات بشأنها.. إنها معضلة التفتيش والرقابة على المواقع النووية والعسكرية.
المرشد الإيراني يؤكد أنه لن يسمح بتفتيش المواقع العسكرية وأنه لن تتم مقابلة أي من العلماء أو المسؤولين، في حين أن هناك لائحة بقائمة أسماء يتصدرها الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، مطلوبين لمقابلتهم. التصريحات الإيرانية في هذا الشأن صريحة جدًا وتؤكد أن تفتيش المواقع العسكرية غير مسموح به مطلقًا.
وزير الخارجية الإيراني يخفف من وطأة تلك الحدة ولكن بصورة حذرة؛ حيث لمح إلى أن مسألة مقابلة العلماء ليست بالبدعة الجديدة، حيث تم هذا الأمر في حكومة الرئيس السابق أحمدي نجاد. وفي ظل ذلك الموقف الصارم من قبل مسؤولي النظام الإيراني، يتجلى ظريف من جديد ليشير إلى أنه تقرر اتخاذ حل آخر في ما يتعلق بالتفتيش والمقابلات.
المعضلة ما زالت مستمرة، يضاف إليها تصريح رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو حول ضرورة الانتهاء من مسألة الأبعاد العسكرية المحتملة PMD في البرنامج النووي الإيراني.
الحقيقة أن هناك مطبات كثيرة أمام الطرفين، يعزز ذلك ما قاله كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي بأن كلا الطرفين لا يثق بالآخر.
يطالعنا مساعد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي لتتجلى من خلال مقابلة له مع قناة «العالم» خريطة طريق ومقاربة بين إيران و«5+1» وكأنه يفسر ما قاله ظريف بأنه تقرر اتباع حل آخر في التفتيش. تتجلى خريطة الطريق والقراءة الإيرانية في التالي:
إيران لن تقبل البروتوكول الإضافي مع زيارة كل مواقعها، كما أن البروتوكول لا ينص على زيارة أي موقع عسكري.
البروتوكول الإضافي لا يعطي تصريحا عاما يسمح للمفتشين بزيارة أي مكان في أي وقت.
البروتوكول الإضافي ينص على أن بداية أي عمل تقوم به الوكالة ترتكز على معلومات يقدمها البلد العضو، وعلى سبيل المثال؛ وفقا لنظام قواعد السلامة والأمان فإننا نقدم معلومات حول نشاطاتنا، وبعد ذلك تقوم الوكالة بعمليات تفتيش للتحقق من صحة المعلومات.
بعض الأطراف في الخارج حاولت بشكل متعمد أن تظهر أن مفهوم البروتوكول الإضافي يكمن في إطلاق يدهم لزيارة أي مكان يشاءون.
ينص البروتوكول على زيارة الموقع وليس تفتيشه، مؤكدا أن هذه الزيارة يمكن أن تتم من خلال مشاهدة الموقع أو أخذ عينات منه بشكل مبرمج.
نظرا لوجود تجارب مُرة في إيران خلال السنوات الـ13 الماضية، فإن المفتشين، ومن خلال استغلال فرصة التعاون التي منحتها إيران لهم، قد قاموا بزيارة موقع عسكري وأخذوا عينات واختلقوا قصصا، لذلك هناك هواجس في إيران.
بالإمكان التعاون مع الوكالة في حال إصرارها على زيارة موقع عسكري وذلك من خلال طرق أخرى بما فيها زيارة المناطق المجاورة وأخذ عينات لكي تطمئن الوكالة لعدم وجود مواد نووية في الموقع.
لا يوجد في نظام قواعد السلامة والأمان أو في البروتوكول الإضافي أمر يتعلق بعملية استجواب أو إجراء مقابلات مع العلماء.
قائمة الزيارات والتفتيش تعد من قبل الاستخبارات، خصوصا الإسرائيلية، وفقا لتلك الوثائق المزيفة، فهذا العمل لا نهاية له.
إذن ما توقعاتنا، وهل سيتم الوصول إلى اتفاق في 30 يونيو الحالي أم لا؟
اعتبار وزير الخارجية الإيراني أن المضمون أهم من الوقت، يعطي مساحة لمسألة التمديد، فالمعضلات ما زالت قائمة، ويبدو أن حلها يواجهه كثيرا من الصعوبات، ولذا، فإن للقرار السياسي دوره الجوهري في الوصول إلى حل. وهو ما أكده ظريف بقوله: «القضية الرئيسية الآن تتمثل في اتخاذ قرار سياسي، وهذا ما اتفقنا عليه في لوزان، ولا يمكن التوصل إلى اتفاق سوى بهذه الطريقة».
فهل القرار السياسي سيكون حاضرًا، أم التمديد وعواقبه؟
و«ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا».
المصدر: الشرق الأوسط