رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
لا أعتقد أن العقل البشري يستطيع تخيّل حجم وشكل الثورة الصناعية والتقنية المقبلة، لأنها أكبر بكثير من قدرته على التخيل، فحجم المعرفة البشرية أصبح يتضاعف كل 12 ساعة حالياً، بعد أن كان يتضاعف مرة كل 25 سنة قبل 100 عام، ومرة كل 100 سنة قبل نحو 1000 عام، ومن هنا فإن المقبل شيء لم تشهده البشرية منذ أن تعلم الإنسان الكتابة، وبدأ يسطر الحروف ليحفظ المعرفة قبل نحو 3000 سنة!
المستقبل للتقنية، وللبرمجيات، وللتطبيقات الإلكترونية، وللآليين، وللذكاء الاصطناعي، لن يبقى في الأرض ولا في الفضاء شيء على حاله، ولن تصبح الحركة والعمل والمشي والطيران حكراً على الإنسان والكائنات الحية، بل ستتحرك معنا، وتطير معنا، وتعيش معنا، كائنات آلية، تعمل بجودة ودقة وجهد يتجاوز آلاف المرات الجهد والذكاء البشريين!
هذا ليس ضرباً من خيال الأفلام العلمية، بل هو واقع بدأت ملامحه تتضح اليوم، وسيتغير بسرعة شديدة إلى تفاصيل ملموسة نعيشها في شتى مناحي الحياة قريباً جداً، وستتطور التقنية إلى ما لا يمكننا تخيله بشكل سريع جداً، وأسرع مما نتخيل، فاليوم يستطيع أي مالك لسيارة «تيسلا»، على سبيل المثال، قيادة سيارته من دبي إلى أبوظبي، والعودة بها مروراً على شارع مزدحم وقت الذروة، كشارع الشيخ زايد، من دون أن يضع يديه على مقود السيارة، واليوم هناك طائرات ركاب ضخمة آلية القيادة، واليوم هناك أكبر شركة سيارات تأجير في العالم أنجزت، في مايو الماضي، رحلتها رقم خمسة مليارات منذ تأسيسها في 2009، وهي لا تملك سيارة واحدة، بل تطبيقاً إلكترونياً فقط لا غير!
لقد تحوّل الاقتصاد في العالم، وتغيرت المعادلة بشكل دراماتيكي، فأقوى خمس شركات في العالم قبل 10 سنوات كان معظمها يعمل في مجال النفط، وواحدة في مجال الإلكترونيات، تراجعت اليوم إلى مستويات متدنية، لتصعد إلى عرش الثراء والضخامة من حيث الدخل، خمس شركات جديدة، تعمل جميعها في مجال البرمجيات، إنه أكبر تأكيد على ثورة البرمجيات المقبلة!
الثورة المقبلة لن يوقفها أحد، ولن تحدها حدود، وذكاء الدول والحكومات يكمن في كيفية مواكبتها، والاستفادة منها قدر الإمكان لحياة أفضل ورفاه أكثر، وهذا ما تجيده حكومة الإمارات، وبالمناسبة فإن الإمارات إحدى أكثر الدول استعداداً للاستفادة من الثورة التقنية المقبلة، فهي تستوعب أكثر من غيرها كل جديد، وهي في حد ذاتها قصة نجاح تاريخية كبرى، فقبل 50 عاماً من الآن كانت الإمارات مجموعة مدن صغيرة قليلة الإمكانات، تحوّلت بسرعة شديدة إلى دولة عصرية متطورة جداً، ومدنها تنافس اليوم بل تتفوق على أكثر المدن العالمية تطوراً، لذا لا غرابة أبداً أن تصبح الإمارات فرس رهان في المنطقة على تقبل وتطويع الثورة التقنية لمصلحة الشعب والرفاه والتطور.
المصدر: الإمارات اليوم