قُبلت للدراسة في جامعة جورجتاون في منتصف تسعينيات القرن الماضي. اضطررت لتأجيل دراستي سنة كاملة بحثاً عن منحة دراسية تساعدني على دفع رسوم الدراسة الباهظة. في سنة الانتظار، بدأت أتعرف على الراحل هشام شرابي الأستاذ العربي الشهير وقتها في جورجتاون.
ما خرجت مرة من مكتبه إلا وقد أصابني الذهول من غزارة علمه وأنا الطالب الذي يتلمس خطاه نحو المعرفة. أخرج من عنده ركضاً إلى المكتبة ومن شدة الحماس وكثرة المتاح من أدوات المعرفة لا أعرف كيف أبدأ. ومن أين أبدأ. كنت من وقت لآخر أمر سريعاً للسلام على شرابي.
تمر الأيام وأنهي دراستي في واشنطن التي أغادرها إلى بوسطن. يغادر شرابي إلى بيروت، عشقه القديم، حيث يختم حياته في المدينة التي كانت أحب المدن إلى قلبه.
“الجمر والرماد.. ذكريات مثقف عربي” كتاب يروي الكثير عن سيرة هشام شرابي. فيه حكايات مهمة عن تجربة الطلاب العرب من جيل شرابي في الجامعات الأمريكية. “كان أكثر الشباب العرب الذين عرفتهم في شيكاغو على جانب كبير من الفطنة والذكاء، لكن ذكاءهم كان فطرياً، غير خاضع لنظام عقلي أو إرادة واعية. كانت لديهم مقدرة كبيرة في الأمور العملية والتعامل مع الناس على الصعيد الشخصي. إلا أن معظمهم كانوا فاشلين فيما كانت تطلبه دراستهم من نظام عقلي. كانوا يهتمون بالأشخاص لا بالقضايا. يضجرون بسرعة من الأمور النظرية، التي يميل إليها زملاؤهم الأمريكيون، ويفضلون مجالسهم الخاصة ليتاح لهم التحدث بالعربية في موضوعاتهم المفضلة: القصص والنكات والفضائح”.
هكذا عاش شرابي ومات مفكراً ومن أبرز الأكاديميين العرب في الغرب لأنه نأى بنفسه عن مجالس “القصص والنكات والفضائح”.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٥٩) صفحة (١٩) بتاريخ (٠١-٠٢-٢٠١٢)