الحشاشون الجدد

آراء

عملت مجموعة من التيارات المتطرفة على تكوين حالة جماهيرية لاغتيال العقل بطرق شتى كالضغط مجتمعياً ليُسيّروا الجموع خلفهم مكونين حركة شعوبية تدافع باستماتة عنهم.

هؤلاء يمكن أن نطلق عليهم النسخة المُحدثة من الحشاشين الذين اتخذوا من «الموت، وهو قصر كان أتباع الصباح يحتمون فيه ويخططون لعمليات الاغتيال منه»، معقلاً .. ولكن هذه المرة أصبحوا جزءاً منا لا يفصلهم جبل ولا قصر، والفضاء ساحة لتدريبهم على عمليات الاغتيال حسب أهوائهم الفكرية.

ويبدو أن هناك تشابهاً في الفكرة واختلافاً في التنفيذ بين «الحشاشين» ومن نراهم اليوم، فقد كان حسن الصباح يضع مريديه، وهم مخدّرون في غرفة مجهزة لهذا الغرض، ليصحوا في اليوم التالي منتظرين موعد تنفيذ أي عملية انتحارية تسرع اللقاء بما وعدوا به، والحالة تتكرر اليوم في ترديد بعض مشايخ الدين هذه الأجندة، وتتوقف الدعوة بحسب مستوى فكر الجمهور المستهدف.

استخدم السالف ذكرهم أدوات عدة لذلك كالأشرطة التي كانوا يوزعونها بالمجان في الطرقات وعلى إشارات المرور وبرامج الراديو والتلفزة، وكوّنوا منهجاً إسلاموياً وحدوي التفكير مربوط شعوبياً لا يُؤْمِن بالتنوع والاختلاف في فهم العقيدة ويرفض الحوار بجعل جميع الأمور مسلّمات وتحويل أقوال بعض مشايخهم إلى قواعد ربانية. ويصعب على أي شخص عاش في هذا المربع العازل عشرات السنين أن يتقبل غيره.

والموضوع الأهم هنا هو أن على أصحاب هذا الفكر احترام الرأي الآخر، وترك التقوقع خلف اغتيال العقول الذي أوصل بعض المجتمعات إلى تقبّل بعض أعمال الذئاب المنفردة كما حدث تاريخياً، ليس بعد ظهور داعش بل قبل، مع وجود التبرير المجتمعي بمباركة، كفتوى محاكمة قاتل فرج فودة بعد تكفيره من بعض المشايخ، «أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها .. وإن كان هذا افتياتاً على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة». والجميع يعلم ما حدث بعدها من تسلسل تاريخي.

والمتابع لما يدور في وسائل التواصل الاجتماعي اليوم يتضح له أن تهمة «زنديق والدعوة إليها» أصبحت مستباحة وخاصة من بعض المشايخ الذين يملكون مريدين كثراً، وهذه دعوة مشكوك في أمرها.

وفي النهاية نحن لا نقطن في دولة تجبر المرء على ملّة، كدولة ولاية الفقيه التي حددت عنصريتها دستورياً بملّة واحدة، وبالتالي فالأمر لدينا متاحٌ لكل فكر وفق إطار إسلامي شامل يضم كل المذاهب والأفكار.

ولنذكر ما حدث من حركات مناوئة أثناء حرب تحرير الكويت.

المصدر: منصة الرؤية