كاتب و ناشر من دولة الإمارات
يقول عنها ميشيل ليفي: تستطيع ثنيها أو لفها، تشويهها أو مهاجمتها.. لكن لا أحد يستطيع تغيير الحقيقة
بعض الحقائق نعرفها متأخراً جداً، وأحياناً بعد فوات الأوان، أحياناً تصدمنا الحقيقة بقوتها ونقف مشدودين لسماعها، صامتين لوقعها وتختلف ردود أفعالنا حينها، لأننا، فعلاً، مختلفون في التعامل مع الأحداث، فهناك من يقبلها ويباشر، وأيضاً هناك من يرفضها ويعاند، وآخرون يفقدون القدرة على التعبير ! وعلى الرغم من اختلاف ردود الأفعال والتعامل تبقى الحقيقة هي الحقيقة !
أن تنتظرا عمراً كاملاً لتعتذر !
هل يرمم الاعتذار جروح الحقيقة ؟
يأتيك أحدهم في الوقت الضائع معتذراً، يحمل هموم معرفة الحقيقة، وبصدق يمد يديه مصافحاً، وهو لا يعلم أنه باليد الأخرى ينبش في ماضٍ تركته في أرفف النسيان، يحرك صفحات في كتابك قد تجاوزتها وأحداث عفا عليها الزمن ، يذكرك بما جاهدت سنين لتنساه ! ويطلب الصفح في موقف يتطلب النسيان ! وربما بحسن نية لا يعلم أنه يقدم لك الألم في طبق الغفران وهكذا الحقيقة، قد تكون مؤلمة قبل الأوان، وأحياناً بعد الأوان.
لو قلت الحقيقة فلا داعي لتذكر أي شيء.. (مارك توين)
يقال إنك لا تعرف نفسك إلا عندما تواجه الحقيقة، لهذا أصعب أنواع المواجهات هي مواجهة النفس. عندما تكون صادقاً مع نفسك، فإنك تلقائياً تكون صادقاً مع الآخرين. و من لا يهتم بالحقيقة في الأشياء الصغيرة تجده أبعد عن الحق في الأشياء الكبيرة. قد تختبئ الحقيقة زمناً، وأيضاً قد تتأخر وصولاً، لكنْ هذا لا يعني عدم وجودها ورجوعها. وقد تكون أقل وضوحاً، ويكون أحياناً الباطل أشد وهجاً، لكنْ، كما تعودنا دائماً، في النهاية ينتصر المنطق، ويخفت تباعاً ضباب الباطل، وتشع أضواء الحقيقة.
وجوهنا هي الحقيقة.. أقنعتنا هي الباطل
أن تعيش في عالم الوهم والأكاذيب فإنك تخدع نفسك، وتروج لأفكار زائفة، تحاول جاهداً أن تقنع نفسك والآخرين بها، فهذا نوع من العبث يمارس لفترة محدودة، وبعدها ينقلب السحر على الساحر!. لا تستطيع أن تقابل المجتمع بوجوه مختلفة، قدرتك على التصنع مصيرها الفشل، عندما تتساقط أقنعتك يتساقط معها وجهك الحقيقي! كم ستكون قاسية عليك الدنيا عندما تسقط الحقيقة من وجهك!
وكما سمعنا في أغنية قديمة: بإمكانك أن تخدع بعض الناس بعض الأوقات، لكنك أبداً لن تستطيع خداع كل الناس كل الأوقات!
الحقيقة بعد فوات الأوان
على فراشه وفي آخر أيام حياته، مسجى كطائر فقد جناحيه! يتأمل حوله لم يجد غير زوجته باقية كعادتها تداري ألمه، تخفف عليه، نظر إليها كمودع، يريد أن يعتذر عن قسوته وخياناته عن عدم وجوده عندما كانت بحاجة إليه، متأسفاً على عدم مبالاته. أخذته الدنيا كما أخذت غيره، كان معها ولم يكن معها ! لكنها دائماً كانت معه. قسوة لحظات الفراق والنهاية تجعل للندم طعم الألم، هل ينفع الاعتذار الآن؟
أو كما قال الكاتب إبراهيم الكوني: ما نفع الحقيقة بعد فوات الأوان.
المصدر: جريدة الاتحاد