مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
ماذا لو لم تكن هناك أسوار وأستار نحيط بها أنفسنا فتعزلنا عمن حولنا، لندفن خلفها صدماتنا وأسرارنا وربما عيوبنا وضعفنا عن الآخرين؟
ماذا لو عاش الناس منفتحين على بعضهم البعض ومكشوفين تماماً بلا أسرار وبلا خفايا؟
وكما في العزلة، فإن السؤال نفسه طرحه صنّاع الفيلم البريطاني «اختراع الكذب» كيف يمكن أن تكون الحياة في ظل الصدق؟ من هنا يبدأ الفيلم، تلك البداية الغرائبية حول مدينة عادية تشبه غيرها من مدن العالم وتعج ببشر يشبهون كل البشر على كوكب الأرض سوى أنهم لا يعرفون معنى الكذب، تخيلوا بشراً لم يكذب أي منهم في حياته كذبة واحدة، الجميع يقول الحقيقة دفعة واحدة كما هي، مجردة وصادمة و.. بمنتهى الوقاحة غالباً!
في إطار فانتازي (بدا ساذجاً أحياناً) يطرح صنّاع الفيلم إشكالية الحياة في ظل الصدق المجرد وحياتهم بعد أن يعرفوا كيف يكذبون، أو بعد أن اخترع بطل الفيلم شيئاً بدا له أنه يحدث للمرة الأولى: أن يكذب، بدأ بالكذب على أمه حين صور لها كيف ستكون حياتها بعد الموت، ثم توالت كذباته على مدير دار النشر وعلى بقية من حوله.
لقد عاش فاشلاً، تتجنّبه النساء ويمقته الرجال، كما فُصل من عمله حين كان يقول الصدق ولا يكذب أبداً، لكنه أصبح محبوباً وغنياً حين بدأ يكذب، تغيّرت حياته وحظي بكل شيء، فهل هذا صحيح؟ هل تسير الحياة بالبشر بين هذين الحدّين أو الخيارين: الكذب الذي يجعل الحياة أفضل وأجمل، أو الصدق الذي يجعل الناس وقحين عديمي اللباقة ومُقصين من حياة الآخرين؟
لكل منا إجابته وتجربته وطريقة تعاطيه مع الحياة، لكن الذي يخرج به من يشاهد هذا الفيلم هو أن الحياة كانت أمراً لا يطاق فعلاً في ظل ذلك الصدق الذي كان يمارسه سكان تلك المدينة، ذلك صدق أقرب للصفعات المتتالية طيلة الوقت!
المصدر: البيان