كاتب وإعلامي سعودي
وجّه خادم الحرمين الشريفين في جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي وزير خارجيته سعود الفيصل توجيهاً، فحواه أن على السفراء واجبات يجب عليهم أداؤها، ومنها فتح أبوابهم واستقبال المواطنين وإعطاؤهم اعتبارهم في البلدان التي يزورونها. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بات واضحاً للعيان السفير الذي يؤدي عمله بأمانة وإخلاص من السفير الآخر المتقاعس.
وبادئ ذي بدء يجب أن ندرك أن وزير خارجيتنا سعود الفيصل الذي يقضي جل وقته في الفضاء، ويتأبط ملفات سياسية مهمة دولية وإقليمية تنوء بحملها الجبال، لا تسمح له مهماته الجسيمة بالانشغال في تدبير الشأن الداخلي للوزارة نيابة عن موظفيه من مساعدين ووكلاء تعد هذه المسؤولية من صلب أعمالهم، وليس من المنطق أن يشتت الوزير نفسه وجهده ووقته ليراجع مستندات ترقية موظف أو نقله من قسم إلى قسم، على حساب مهمات عظمى تتعلق بمصالح الوطن إقليمياً ودولياً.
إن الأداء المتقاعس لسفرائنا وسفاراتنا ناتج من الاتكالية وعدم شعور بعضهم بالمسؤولية الوطنية التي أوفدوا لأجلها، والسبب يعود إلى اتكالهم على المتعاقدين في هذه السفارات ليقوموا بأعمالهم نيابة عنهم، وهذا المتعاقد الذي يبدأ صباحه باكراً شعلة من النشاط، ليس إخلاصاً وتفانياً كما يعتقده أخونا الموظف السعودي، بل هي لقمة عيشه التي يسعى بلا كلل إلى المحافظة عليها، فتجده هو حارس الأمن ومسؤول العلاقات العامة والسكرتير، بل الأدهى والأمر من هذه وتلك أن بعضهم يُكلف بتحرير التقارير السرية التي سترسل نهاية الأسبوع في الحقيبة الديبلوماسية، سواء أكانت هذه التقارير سياسية أم اقتصادية أم أمنية، كل ذلك نيابة عن زميله السعودي. ومن هنا أقول هل لدى وزارة الخارجية إدارة للدراسات والرصد والمتابعة والإحصاءات؟ ليتهم يطلعونا على عدد الأجانب المتعاقد معهم في سفاراتنا بالخارج، بل ليتهم يقوموا بدراسة مسحية يرصدون من خلالها عدد المتعاقدين في سفارتنا في صنعاء، ومقارنتها بعدد متعاقدي سفارة اليمن بالرياض، أو عدد متعاقدي سفارة المملكة بالقاهرة مع عدد المتعاقدين في السفارة المصرية بالرياض، أو عدد المتعاقدين في سفارتنا بالرباط مع عدد المتعاقدين في السفارة المغربية بالمملكة.
إن غياب رقابة الوزارة لسفاراتها ومزاجية السفير في إدارة عمله، نتجت منهما فوضى تعج بها سفاراتنا الموقرة وتراجع أداء الموظف السعودي، إذ انشغل في مواصلة دراسته في إحدى الجامعات على حساب مهمته الوطنية، وآخر انصرف لمتابعة أعماله التجارية فأصبح ديبلوماسياً مستثمراً.
ولنكن أكثر وضوحاً، يجب أن نحدد بعضاً من مكامن القصور في بعض سفاراتنا، فأين تكمن مشكلة وزارة الخارجية؟ أولاً ينص القرار السامي على ألا يتجاوز الموفد 4 أعوام في البلد الواحد، وبعض السفارات تجاوز موظفوها عشرات الأعوام وما زالوا قابعين في مواقعهم.
ثانياً تكليف بعض السفراء لموظفين بوظائف إدارية وبلا خبرة برئاسة أقسام ينص النظام على ألا يشغلها إلا موظفون دبلوماسيون، مثل شؤون الرعايا ورئيس القسم القنصلي وغيرهما من الأقسام.
ثالثاً يعمل في السفارات متعاقدون سعوديون كانوا يعملون في قطاع أمن السفارة قبل التعاقد معهم، فعززوا علاقتهم بالسفير ومسؤولي الوزارة، ولارتياحهم في البلد لم يغادروها بعد انتهاء إيفادهم، بل طلبوا التقاعد وتقدموا للعمل في السفارة بنظام العقد، فتعاقدت معهم وهم بلا خبرة في العمل الديبلوماسي، وكلفوا بأعمال إدارية ومقابلة الجمهور.
رابعاً غياب السفراء الشباب المؤهلين علمياً وثقافياً، فمعظم السفراء طاعنون في السن وجاءوا إلى السفارة تكريماً لهم، فأخذوا بذلك زمنهم وزمن غيرهم.
خامساً التعاقد مع غير السعوديين بلا ضوابط، وتكليفهم بملفات حساسة، وهؤلاء عرضة للاختراق من طرف مخابرات البلد المضيف أو مخابرات دول معادية أخرى.
خلاصة القول إن الظروف الإقليمية المحيطة بنا وتشابك الخيوط إلى درجة لم نعد نعرف فيها الدول التي معنا من الأخرى التي ضدنا، يوجب على وزارة الخارجية أن تعيد النظر في ما ذكر آنفاً، حتى لا تكون الوزارة نفسها ثغرة ينفذ من خلالها المتربصون بوطننا، وأن تتخلص في شكل عاجل من الأجانب المتعاقدين الذي يديرون سفاراتنا نيابة عن أبنائنا.
المصدر: صحيفة الحياة