مدون سعودي، بكالوريوس لغة عربية من كلية المعلمين بالأحساء، حاصل على جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي، له مؤلف جديد تحت الطبع حاليا
كثيرون نحن الذين استبشرنا بمشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء، الذي تمخض عنه نظام القضاء الجديد. فقد كان في السابق على القاضي تحمل عبء النظر في قضايا مختلفة، ولذلك أولى النظام الجديد الاهتمام للجوانب الفنية، وبالتالي أنشئت المحاكم المتخصصة. ونظام القضاء الجديد كما هو معلوم ليس نهاية مشروع تطوير القضاء، وإنما هو إحدى مراحله، وبما أن كل مرحلة من مراحل تطوير أي نظام تصب اهتمامها على جانب مهم من جوانبه، فإنه من الضروري أن تأتي المرحلة اللاحقة لتطوير الجوانب الأخرى بناء على ممارسة النظام على أرض الواقع، ورفع التوصيات التي من شأنها التنبيه للجوانب التي هي بحاجة إلى تطوير.
وكما ذكرت فإن هذه المرحلة من مراحل مشروع التطوير العام للقضاء كانت منصبة على الجوانب الفنية، فإنه من الضروري أن تكون المرحلة الأخرى من مراحل التطوير منصبة في حقل الصلاحيات والمهام القضائية.
فالسلطة القضائية ليست بالطبع مجرد قاعة محاكمة وإصدار أحكام وحسب، بل تتعدى في مسؤولياتها إلى كل ما له علاقة بمكونات العدالة، ابتداءً من صدور أمر الضبط مروراً بالتحقيق وإلى صدور الحكم القضائي وبقية مراحله من نقض وتمييز وغيرهما.
ولعل من الجهات التي لها علاقة بالمهام القضائية ومن الضروري وجودها ضمن حقل القضاء هما النيابة العامة والرقابة العامة، ونحن في السعودية لدينا هيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة التحقيق والادعاء العام وهما الجهتان المنوط بهما التحقيق والضبط والرقابة في مجمل قضايا الدولة والمجتمع. وكما هو معروف فقد كانت مهمة إصدار أوامر الضبط والتحقيق إبان نشأة الدولة من صلاحيات الشرطة، وبعد تطور هيكل الدولة استحدثت مؤخراً (1409 هـ) هيئة تختص بالتحقيق وإصدار أوامر الضبط، مستقلة عن الشرطة وأصبح اسمها (هيئة التحقيق والادعاء العام) ومنذ ذلك الحين ما زالت الهيئة على هيئتها ولم تتحول إلى نيابة عامة كأحد فروع القضاء المهمة وتمثل إحدى مراحل سير العدالة، بالرغم من وجود رئيسها كعضو ضمن أعضاء مجلس القضاء الأعلى بحسب النظام الجديد. هذا بالنسبة إلى هيئة التحقيق والإدعاء العام، أما بالنسبة لهيئة الرقابة والتحقيق فقد كان إنشاؤها متقدماً نسبياً فقد أنشئت في أوائل التسعينيات الهجرية، ولها مهام أقرب إلى حقل القضاء من تلك التي يعتقد كثير من الناس، فالهيئة ليست مجرد جهة رقابية كهيئة مكافحة الفساد مهمتها البحث عن مكامن الفساد ورفع البلاغات وحسب، بل تتعدى مهامها إلى أبعد من ذلك، فلها صلاحيات قضائية، كالتحقيق؛ إذ تحوي إدارات مهمة كإدارة التحقيق، وإدارة الإدعاء، ولها حق تمثيل الإدعاء أمام ديوان المظالم (أحد أقسام المحاكم)، ولها حق النظر والتحقيق في جرائم التزوير والرشوة، ولها حق متابعة السجناء شهرياً.
وعليه ينبغي أن تكون أولويات الخطوة القادمة من مراحل تطوير القضاء هي إنشاء نيابة عامة بدلاً من هيئة التحقيق والإدعاء العام وهيئة الرقابة والتحقيق.
المصدر:صحيفة الشرق