محمد خميس
محمد خميس
كاتب إماراتي

الخليج، الدائرة المكتملة التي لا تحتاج إلى مغادرة

آراء

خاص لـ هات بوست:

في كل قصة بطل يسعى وراء المعنى، وفي كل مغترب رواية إنسان عاش رحلة الاكتشاف والثمن والتغيير، غير أن بين كل تلك الحكايات يظل الخليج استثناء جميل، حيث يتحقق الحلم دون مغادرة الوطن.

في عالم الكتابة توجد هيكلة للقصة تسمى دائرة دان هيرمان للقصة”، وضعها المخرج والكاتب الأمريكي دان هيرمان، المعروف بأعماله الشهيرة مثل “ريك ومورتي” والمسلسل الكوميدي “المجتمع”، هذه الهيكلة تركز على الشخصية الرئيسية في القصة، وهي كالآتي:

  • أنت: الشخصية الرئيسية في منطقة الراحة، المنطقة التي تعوّد عليها
  • تحتاج: الشخصية الرئيسية تحتاج إلى شيء ما
  • تذهب: الشخصية الرئيسية تذهب للبحث عمّا تحتاجه
  • تبحث: الشخصية الرئيسية تجابه العقبات اثناء البحث
  • تعثر: الشخصية الرئيسية تعثر على ما تبحث عنه
  • تأخذ: لكنها تدفع ثمنا غاليا
  • ترجع: تعود إلى المنطقة التي خرجت منها
  • تتغير: لكنها لم تعد كما كانت

حين نتأمل طبيعة الحياة وسير قصص البشر، ندرك أن رحلة المغترب تجسد تماما ما تصفه هذه الدائرة من تحول وثمن وتغيير فالمغترب يعيش أولا في عالمه المألوف، ثم يشعر بنقص ما يدفعه للرحيل، بحثا عن الأمان، أو المستقبل الأفضل، أو الشهرة، أو حتى الهروب من ماضيه.

لكن ما إن تطأ قدماه أرضا جديدة حتى تبدأ التحديات، صعوبات في العمل، صدمات، خيبات، أو حتى مواقف تمس كرامته، ومع ذلك، يصبر ويكافح ويواصل حتى يعثر على ما يريد، غير أنه يدفع ثمنا باهظا، ثمنا من صحته، أو أسرته، أو وقته، أو غربته عن نفسه، وحين يعود إلى وطنه، يعود مختلفا، ناضجا، لكنه غريب بعض الشيء، كأنه يرى العالم بعين أخرى لا يملكها من لم يخرج من منطقة راحته.

أما نحن في الخليج، فقد ولدنا في دائرة الراحة ذاتها التي يسعى إليها الملايين، نعيش في بيئة من الأمان، والاستقرار، والكرامة، والفرص، فلا حاجة لنا أن نغترب لنعرف قيمة ما نملك، بل يكفينا أن نتأمل الواقع حولنا لندرك أننا في نعمة تستحق الحمد كل يوم.

ومع ذلك، فإن تقدير المغتربين واجب لا ترف، فهم تركوا أوطانهم ليصنعوا مستقبلا، وخاضوا رحلة دان هيرمان بكل فصولها، ليحصلوا على بعض من ما نتمتع به.

فليعلم كل خليجي أن ما يعتبره اعتياداً يومياً هو أمنية كثيرين، وأن ما يجده هنا في خليجنا من استقرار وكرامة وطمأنينة، هو ما يرحل غيره ليبحث عنه عبثا في أصقاع الأرض.