كاتب سعودي
كل موسم درامي رمضاني ومنذ أكثر من عشر سنين، ونحن نمتهن الدراما في الخليج العربي امتهانا لا يليق بنا ككوادر فنية درامية معطاءة، لها تاريخها في صناعة الدراما، وفوق كل هذا، تمتلك إمكانيات مادية تفوق وبمراحل أي صناعة درامية عربية. أكبر إشكالية تواجهها الدراما الخليجية والسعودية بشكل خاص، هي أن إنتاجها الدرامي الحالي، وكأنه لا يمت بصلة لتاريخه الدرامي. أي لا ينبني عليها ويتخطاها، وإنما قد ينحدر بها، وفي أحسن أحواله يكررها، وبطريقة أقل احترافية مما سبقه.
أرى بأن جزءا من المشكلة، وخاصة في تكرار قوالب ومواضيع الدراما السعودية؛ هو النجاح الباهر الذي حققه مسلسل طاش ما طاش، والنجومية غير المسبوقة التي حصدها نجما المسلسل ناصر القصبي وعبدالله السدحان. مع كون مسلسل طاش ما طاش قد وضع قاعدة درامية متينة للدراما السعودية، بشكل خاص، حيث جعلها مشاهدة ومتابعة في العالم العربي أجمع، وزاحم على المشاهدة أعتى الإنتاجات العربية الدرامية العريقة؛ إلا أنه وبطريقة غير مباشرة وغير مقصودة أضر بالدراما السعودية، بشكل غير مقبول. أضر بالدراما السعودية من ناحية أصبح مرآة تعكس الدراما السعودية نفسها من خلالها، لا يبنى عليها أو ينطلق منها، وإنما لتعاد ولا تزاد، وتكرر ولو بطريقة ساذجة.
كان مسلسل طاش ما طاش، مسلسلا مقبولا ومبهرا في زمانه؛ يوم لم يكن الإعلام المحلي يناقش مشاكل وقضايا المجتمع، بطريقة مباشرة وجريئة، وكان المسلسل يقوم بهذا الدور. الآن الإعلام السعودي يقوم بالغرض وأفضل، حيث ظهر برنامجا “الساعة الثامنة”، و”ياهلا”، وغيرهما من البرامج والتحقيقات الصحفية، تناقش كل القضايا التي تواجه المجتمع وبطريقة صحفية أكثر احترافية وجرأة، ناهيك عن الإعلام الجديد والذي يشمل وسائل التواصل الاجتماعي، التي توجد الآن بين يدي كل صغير وكبير. ولذلك توقف مسلسل طاش ما طاش، في الوقت المناسب، عندما أخذ الإعلام منه الراية وتحرك بها للأمام.
وكان مسلسل طاش ما طاش، يعتمد على الحلقة الكبسولة، التي تتناول قضية أو مشكلة وتنتقل منها للحلقة التي تليها، وبنفس الأسلوب. وحتى يكون النقد الاجتماعي وطرح المشاكل الحساسة في المجتمع مقبولا وملطفا، تم صبغ المسلسل بالصبغة الساخرة. فهل من المعقول أو المقبول بأن تظل الدراما السعودية تقلد طاش ما طاش، في طرح القضايا والمشاكل الاجتماعية بنفس الأسلوب والقالب الطاشي؟!
مسلسل الحلقة الكبسولة، الحلقة المنقطعة موضوعاً وقالباً، عما قبلها وعما بعدها من حلقات المسلسل، هو عمل درامي بدائي (عمل هواة)، نوعاً ما، لا يدل على أي نوع من أنواع الاحترافية. مسلسل الكبسولة الكوميدي، على نمط مسلسل طاش ما طاش، كان مقبولا من طاش ما طاش، بسبب ظروف الفترة الزمنية التي ساد بها المسلسل وتوقف بكل شجاعة عندما انتهى مبرر بقائه. أما أن يكرر حتى الآن ويزاد في نمط مسلسل الكبسولة، فهذا غير مقبول أبداً، حتى من الهواة؛ ناهيك عمن يعدون أنفسهم أقطابا من أقطاب الدراما السعودية، ولهم تاريخهم الدرامي المشهود.
مسلسلات الكبسولة ذات الحلقة نصف الساعة، والتي تتناول موضوعا واحدا ومحددا؛ لا يحتاج إلى نفس درامي عميق أو محترف، لا من ناحية التأليف ولا من ناحية التمثيل ولا حتى من ناحية الإخراج. كل ما يحتاج إليه مسلسل الكبسولة هو تجميع مواضيع، على شاكلة هروب الشغالات، ورداءة الخدمات المقدمة من المؤسسات العامة؛ وما شابه ذلك من هموم، تنتهي قبل أن يحتاج خط الحلقة الكبسولة للتصاعد الدرامي؛ إلا في حالات نادرة؛ ومن خلال التصاعد الدرامي، هنا تظهر براعة واحترافية من يعمل في الدراما، من الكتاب، للممثلين، للمخرجين.
يقول أرسطو في كتابه “الشعرية”، وهو أول كتاب تم تأليفه عن الدراما، والذي لا يزال يعتبر مرجعاً لا يستغنى عنه؛ بأن أصعب أنواع الكتابة قاطبة، هي كتابة الدراما، وأصعب ما في كتابة الدراما، هي كتابة الدراما الساخرة. إذاً فالدراما بشكل عام، تعتبر من أعقد الفنون؛ ولو حسبناها عكس ذلك. سنوياً يتم تقديم أكثر من ثلاثة آلاف نص درامي، لهوليوود، ولا يتم إنتاج إلا أقل من مئة منها. وكثير من كتاب الدراما العالميين عبر التاريخ اعتبروا عباقرة أممهم، مثل شكسبير عبقري بريطانيا، وموليير عبقري فرنسا، وبوشكن عبقري روسيا، وبرخت عبقري ألمانيا وغيرهم. إذاً فالنبوغ في الدراما يحتاج إلى طاقات غير عادية لإنتاج أعمال درامية غير عادية، لتبرز للعلن عبقرية الأمة.
وعلى ذلك، أنا هنا، لا أطالب بأن ننتج أعمالا درامية غير عادية، حيث يبدو بأننا حتى الآن غير مجهزين لذلك؛ ولكني أطالب على الأقل بأن لا نستمر بإنتاج دراما ساذجة. والمسؤول عن استمرار تقديمنا للدراما الساذجة هو كرم التلفزيون السعودي في دفع الملايين، لشراء المسلسلات الكبسولية. يجب بأن يتوقف التلفزيون السعودي عن ذلك؛ ويشترط على المنتجين المحليين بأن يمدوه بمسلسلات درامية ذات قصص درامية واحدة، طويلة النفس مترابطة ومتماسكة، تبدأ بمقدمة ثم حبكة مشكلة ثم تصاعد أحداث، ثم حبكة الحل والنهاية. أنا لست بمتأكد بأن أول مسلسل من نمط المسلسل متصل القصة، ولا الثاني ولا حتى الثالث، سيجعلنا ننتج أعمالا درامية جادة واحترافية؛ ولكنني متأكد بأن ما سيأتي بعدها سيجعلنا وبكل ثقة نفعل ذلك.
والذي أنا متأكد منه أكثر بأن استمرارنا في إنتاج مسلسلات الكبسولة الواحدة سوف ينحدر بجودة إنتاجنا الدرامي، هذا في حال بقي فيها جودة، وفي حال بقي لنا إنتاج درامي. العمل الدرامي الجيد ينبني على نص درامي جيد، والنص الدرامي الجيد يعتمد على وجود كاتب درامي جيد، والكاتب الدرامي الجيد تستهلكه كتابة الدراما جيداً، حيث تتطلب منه الكتابة شبه الانعزال عن المجتمع حوله ولمدة سنتين أو أكثر، وفي أقل الأحوال سنة كاملة. وعمل الكاتب الدرامي الجيد للأسف لا يقدره منتجو الدراما المحليون، حق قدره؛ ما دام التلفزيون السعودي سيدفع لهم الملايين، على مسلسل كبسولات مكرر ورديء جداً.
إذاً مثلما تحافظ وزارة الإعلام على المنتج الدرامي السعودي المحلي؛ فيجب كذلك، بأن تهتم بالكاتب الدرامي المحلي، وكذلك المخرج الدرامي المحلي، والممثل الدرامي المحلي، والفني الدرامي المحلي؛ عن طريق فرض أجورهم على المنتج الدرامي المحلي، والذي تدفع له بسخاء منقطع النظير، وذلك بتحديد نسبة كل منهم من المبلغ الكلي للعمل الدرامي، وتسليم كل منهم نصيبه المادي من المساهمة في إنتاج المسلسل، عن طريق وزارة الإعلام، لا المنتج المحلي. عندها سيحرص المنتج الدرامي المحلي على اختيار الأفضل من الكوادر الدرامية المحلية، ما دام كل منهم سيتسلم المبلغ الذي يستحقه، وهذا سيرفع مستوى المنتج الدرامي، وبنفس الوقت، يجعل من الدراما مصدر رزق للعاملين بها، وليست مجرد عمل جانبي، لا يمكن الاعتماد عليه. وعلى فكرة، فالإذاعة السعودية تفعل ذلك مع الأعمال الدرامية المقدمة لها من قبل المنتجين المحليين، وذلك بخصم 15% من قيمة المنتج وتسليمها لكاتب العمل الدرامي، مباشرة من قبلها، وليس من قبل المنتج المحلي.
المصدر: الوطن أون لاين