كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
في ثنايا تحليله لضعف بنية الدولة الوطنية مقابل الدولة الأيديولوجية الأممية، أنقل لكم هذا الاقتباس النصي من مقال معالي الأستاذ سعود القحطاني بصحيفة الرياض. يقول (ومن ضمن مشكلاتنا في المملكة أنه ومنذ مرحلة التأسيس وإلى اليوم لم يظهر في البلاد تيار وطني نشط إطاره الدولة الوطنية القائمة، وبقيت دولتنا رهينة للأيديولوجيات الأممية والوحديات القومية، بدءاً من أيديولوجية الدولة الرسمية: السلفية التقليدية مروراً بما ظهر على الساحة السعودية مثل الصحوة الإسلامية والشيوعية والناصرية والبعثية). انتهى.
المقال العميق، ومعه جوهر اقتباسي منه يمثلان أهمية قصوى في مثل هذا الظرف والتوقيت لسببين: أولاً، لما يمثله كاتبه بوصفه الوظيفي الاستشاري في رواق الهرم الأعلى، ولهذا سأعتبر المقال قريبا من الرؤية الرسمية ، وهذا أبسط حقوق قراءتي الذاتية للموضوع.
الثاني، لأن المقال كان متوازناً في تفسير وتبرير ضعف مفاهيم الدولة الوطنية حين رمى بالخلل على الجميع، وهو يربط ما بين أخطاء السلفية التقليدية مع نقائضها الصرحاء في جملة قصيرة واحدة. أنا دائماً ما أقول إنه من الخطأ التاريخي تحميل الخطاب الإسلامي وحده مشاكل ضعف البنية الوطنية، لأنها مجرد شريك مع شركاء كثر في هذه الساحة.
دعونا نكون أكثر صراحة ووضوحاً في تفاعلنا مع هذا المقال الاستثنائي تحت اسم هذا الكاتب بالتحديد: هل كان للجهاز التنفيذي ومعه أركان الوزارات المختلفة وكل المؤسسات السيادية العليا دور في هذا الخلل الفاضح، إلى الحد الذي لا زلنا معه نبحث فيه عن أسئلة «الوطنية» بعد أكثر من قرن على ولادة الدولة السعودية الحديثة؟
إجابة السؤال السابق يصعب اختصارها في مقال، ولهذا سأجيب إجمالاً بنعم مفتوحة واسعة. الدولة، بوصفها الجهاز التنفيذي هي من سمح أو تغاضى عن اختراق مكشوف لبنية التعليم إلى الدرجة التي تم فيها حذف وشطب ما يصل إلى 70% من أوراق مقررات التاريخ السعودي في مدارسنا العامة، عند المقارنة ما بين ثلاثة عقود من هذا التعليم، ولدي الإثبات البرهاني، وبالورق. الجهاز التنفيذي المركزي هو من أعطى الإذن، أو في أحسن الظروف، من غض البصر عن التربية «الأممية» التي مورست على أجيال متعاقبة نشأت على مصطلحات حرمة حدود الدولة الوطنية، وتغذت على هذا التوجه في المدارس حتى اليوم في صورة بصرية. الجهاز المركزي هو من يطبع مقررات المتطلبات الجامعية الأساسية الموحدة ما بين الجامعات بكل ما فيها من هدم صريح لمفاهيم الوطنية. الجهاز المركزي والوزارات المعنية تعرف مثلاً أننا على الأقل أربعة مذاهب متجاورة في محيط دولة وطنية واحدة، فلم تعمل قانوناً لتجريم الردح والشتم. لم تنته الشواهد الهائلة لدي، إنما انتهت المساحة.
المصدر: الوطن السعودية