خاص لـ هات بوست: قرأتً ذات يوم عبارةً مقتَبَسَة تقول: “القراءة تصنع إنسانًا كاملًا، والمناقشة تصنع إنسانًا مستعدًا، والكتابة تصنع إنسانًا دقيقًا.”
فما هو نوع الإنسان الذي يصنعه الـ ChatGPT؟!!
لا يخفى أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا من حياتنا، وبطبيعة الحال لا يمكن إغفال التسهيلات التي يقدمها لنا في كافة المجالات، لكنني أصل إلى ميدان الكتابة والإبداع فأتوقف؛ حيث أجدني عاجزةً عن فتح الباب لهذا القادم الجديد، وأرى في نفسي مقاومةً للسماح له بالتطفل على عالمٍ يفترض أن تكون أدواته قائمة على أساس الجهد والذائقة والإبداع الإنساني.
بالطبع لا تفوتني قدرته الهائلة على البحث وتقديم المعلومات، وربطها وتحليلها واقتراح نتائج لها، لكنني ما زلت عاجزة عن استساغة السماح له بمزاحمتنا في الإبداع الثقافي والأدبي، ويسوؤني جدًا أن أقف أمام نصٍ باذخ لأكتشف لاحقًا أنه (نصٌّ اصطناعي)، وأخشى أننا مقبلون على حالةٍ من استمراء الكسل العقلي التي ستتضافر بلا شك مع تراجع الاهتمام باللغة العربية والذي أصبح طابعًا عامًا للكثير من أبناء هذا الجيل.
كانت حصة التعبير الإنشائي – في أيامي الدراسية – فرصةً عظيمة للمران والممارسة الكتابية الإبداعية، بما تقتضيه من إعمالٍ للفكر، وترتيبٍ للأفكار، وصياغةٍ للعبارات، بالإضافة إلى الضبط النحوي، فكيف يمكن أن يتهيأ هذا لجيلٍ لديه تحدياته مع اللغة العربية، ثم يجد باب الـ ChatGPT مفتوحًا على مصراعيه ليقدم له نصًّا جاهزًا بكل سهولة وبضغطة زر؟!
أي مهارةٍ يمكن صقلها وتهذيبها وهذا واقع الحال؟!
لعلي أستدرك هنا وأشير في هذا السياق إلى أن الاستعانة المنضبطة بالذكاء الاصطناعي ليست مرفوضة، ولكن المستَنكَر هو الاعتماد الغالب أو الكلي عليه، فالمبدع الحقيقي هو الذي يتعب في إنتاج الفكرة وفي صياغة الجملة، لا الذي يتلقّاها من خلال عملية بحثٍ سريعة وينشرها جاهزة، والأسوأ أن يدّعي أو يوحي بأنها من إنتاجه؛ نعم لنا أن نستعين بالذكاء الاصطناعي في حدود، لكن لا يصح أن نصنع لنا اسمًا وكيانًا قائمًا على جهده، فنصٌ كُتِب بمجهودٍ إنساني متوسط خيرٌ عندي من نصٍ غايةً في التمكّن والتماسك كتبته آلة!
على كل حال، البعد الأخلاقي هو الفيصل وهو أهم ما يعوَّل عليه، حيث يبقى الأمر معتمدًا في المقام الأول على الضمير، ومدى احترام الشخص لذاته، ونظرته لنفسه التي قد تزيّن له الاختباء خلف إبداعٍ مزيف يقدمه الذكاء الاصطناعي اليوم.
أختم باقتباسٍ سمعته منذ عامين على لسان الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية خلال إحدى المسابقات الأدبية، حيث قال: “لا أظن أن أدباء أي عصر مضى قد مرّوا بتحدٍ أكبر من هذا التحدي، ليس لإخراج كلماتهم إلى الضوء فقط، وإيصالها إلى قارئهم المستهدَف، بل لإثبات أن كلماتهم نتاج عقل وقلب إنسانيين، وليس آلة صماء مغذّاة بخوارزميات متجددة وذاتية التعلّم”.
وقد صدق!
