كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
“قطر اختارت ألا تبقى على هامش التاريخ”، هكذا صرح وزير خارجيتها قبل أسبوعين تقريبا في باريس، وهو اختيار مستحق لقطر الدولة المستقلة ذات السيادة، التي لا يستطيع أحد أن ينكر عليها حقها في أن تلعب أدوارا تاريخية.. ولكن كيف يمكن المواءمة بين رغبة قطر هذه، ومصالح جيرانها من دول مجلس التعاون الخليجي، الذين يعتقدون أن الأدوار التاريخية التي تلعبها قطر تهدد أمنهم واستقرارهم، وتخرق المبادئ التي تم الاتفاق والتوقيع عليها في النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية؟
هذا هو السؤال الذي يبدو محيّراً إلى حدما، فقطر ما زالت مصرة على أنها بريئة من هذا الخرق الذي تُتهَم به، وأنها ملتزمة بكافة المبادئ التي قام عليها مجلس التعاون الخليجي، وأنها تنفذ كافة التزاماتها وفقاً لما يتم الاتفاق عليه بين دول المجلس، بشأن الحفاظ على دول المجلس كافة وحماية أمنها واستقرارها، كما جاء في بيان مجلس الوزراء القطري تعقيبا على قرار سحب السفراء.
لكن هذا لا يعني أن قطر سترضى أن تبقى على هامش التاريخ، لأنها “قررت الاضطلاع بدور كبير في الشؤون العالمية، والتواصل مع الدول الأخرى، والتوسط في النزاعات، والعمل على إنهاء النزاعات العنيفة، ورعاية اللاجئين”، كما جاء في تصريحات وزير الخارجية القطري، الذي أكد أن “استقلال السياسة الخارجية لقطر غير قابل للتفاوض”.
لهذا فلا مجال لثني قطر عن البحث عن دور تاريخي تلعبه، ولكن عن أي دور تبحث قطر؟ هل هو الدور الذي أشاد به “يوسف القرضاوي” في خطبته التي اتهم فيها دولة الإمارات بأنها تقف ضد أي حكم إسلامي، وتسجن المتعاطفين معه، بعد أن ثمّن مواقف قطر الرائدة في دعم ثورات الربيع العربي، قائلا إن “التاريخ سيخلد مواقف قطر البطولية في مناصرتها ثورات الربيع العربي، والانحياز لإرادة الشعوب الثائرة طلبا للحرية والعدالة والكرامة، في الوقت الذي كان فيه معظم الدول العربية الأخرى تحاول وأد هذه الثورات، والقضاء عليها في مهدها، وإفشالها بكل الوسائل”؟
إذا كان هذا هو الدور الذي تريد قطر أن تلعبه، بإيحاء وتشجيع من “القرضاوي” وأمثاله من دعاة الفتنة الذين انكشفت وجوههم ونواياهم وأدوارهم، فإننا ندعو قطر الشقيقة إلى مراجعة نفسها، لأن “الحرية والعدالة والكرامة” التي يتمسح بها “القرضاوي”، ليست إلا شعارات انكشف زيفها بعد زوال الأنظمة السابقة في دول الربيع المزعوم هذا، وتغوّلِ الذين رفعوا شعارات الإسلام، وادّعوا أنهم يعملون باسمه، ليقفزوا إلى السلطة في أجواء الفوضى التي عمت تلك البلدان، التي ما زالت تغرق في “الفوضى الخلاقة” التي اخترعت مصطلحها “كوندوليزا رايس” عندما كنا غافلين عما يدبَّر لنا.
فهذه ليبيا ممزقة ومقسمة، تحكمها الميليشيات المسلحة، وترتع فيها التنظيمات الإرهابية المهاجرة من أفغانستان، وتلك المطاردة في الدول الإفريقية، وهذه مصر تعاني من الإرهاب الذي خلفه الإخوان وراءهم بعد أن ملأوا سيناء بالإرهابيين، ونشروا الإرهاب في أرجاء مصر كلها. وعلى هذا قس ما يحدث في سوريا من قتل لا يستثني أحداً من أنصار الحكومة والمعارضة، ويبيد الشعب الأعزل الذي تحول إلى مجموعة من النازحين واللاجئين والمهجرين، وما يحدث في تونس التي انطلقت منها شرارة الربيع الخادع، وامتدت نيرانه إلى هذه البلدان لتحرق ما تبقى من الوطن العربي المنهك حروباً وقتلاً وفوضى.
إذا كان هذا هو الدور الذي تريد أن تلعبه قطر، باحتضانها المنظمات المشبوهة، أمثال “أكاديمية التغيير” و”منظمة الكرامة لحقوق الإنسان”، وبدعمها الحوثيين في اليمن كي يقيموا لنا “حزب الله” جديداً في جنوب الجزيرة العربية، وبمساهمتها في المخطط المرسوم والممنهج لتمزيق هذا الوطن، وتقسيمه إلى كانتونات ودويلات عرقية وطائفية، تتصارع فيما بينها محققةً أهداف أعداء الأمة..
إذا كان هذا هو الدور التاريخي الذي تريد أن تلعبه قطر كي لا تبقى على هامش التاريخ، فنعتقد أنه من واجبنا، نحن أشقاءها وأقرب الناس إليها، لا أولئك الانتهازيون والمنتفعون، أن ننبهها إلى الخطأ الذي ترتكبه، وأن نحذرها من المستنقع الذي تسير إليه، وأن نرشدها إلى الطريق الصحيح للدور التاريخي الذي يجب أن تلعبه مع شقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي، والدول العربية التي تسعى إلى إفشال هذا المخطط، وأن نوضح لها أنه ليس في هذا انتقاص من استقلال سياستها الخارجية التي تخشى عليها من أن تُمَسّ أو تُنتهَك، وأن نشعرها بأن لها كامل الحق في أن يكون لها رأيها الخاص، وقراراتها المستقلة، ولكن دون الإضرار بمصالح جيرانها وأشقائها، ولا بأمنهم واستقرارهم الذي يعمل القرضاوي وأمثاله على تقويضه والإضرار به، مستغلاً هذه الرغبة الجامحة في لعب دور تاريخي.
الذين يكرهون قطر هم الذين يدفعونها إلى المزيد من التعنت والمكابرة، لأنهم يعزفون على هذا الوتر، ويعرفون كيف يصطادون في الماء العكر. أما الذين يحبون قطر فهم الذين ينصحونها، ويطلبون منها الرجوع إلى طريق الصواب، والتضامن مع أشقائها وأصدقائها للوقوف في وجه هؤلاء الانتهازيين والمغرضين، لأن السيل إذا جاء فلن يستثني أحداً من طريقه.
وغدا تعرف قطر من الذي يحبها ومن الذي يكرهها، ومن الذي يستغل رغبتها في لعب دور تاريخي لتحقيق أهدافه الدنيئة، ومن الذي يريد لها النجاة من هذه الهاوية. لكنّ ما نخشاه هو أن يأتي الغد هذا بعد فوات الأوان، وعندها سوف تندم قطر، لأنها ضيعت فرصاً كثيرة، وليست فرصة واحدة.
المصدر: البيان