دعا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أمس، إلى تسوية سياسية مع المتمردين الحوثيين بوساطة الأمم المتحدة في ثالث يوم من أعمال العنف التي تشهدها العاصمة صنعاء. ويمثل القتال، الذي احتدم يوم الخميس بعد أسابيع من الاحتجاجات والاشتباكات، التحدي الأكبر حتى الآن لعملية التحول الديمقراطي التي تدعمها الأمم المتحدة والتي بدأت بعد تنحي الرئيس علي عبد الله صالح عن السلطة عام 2012.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) عن هادي تأكيده «الخيار الأسلم وفقا لما تم مع جمال بنعمر، مبعوث الأمم المتحدة الخاص، من أجل الدفاع عن صنعاء الجمهورية والوحدة والديمقراطية والحوار الوطني». ووصف هادي تقدم الحوثيين في صنعاء بأنه عمل لا مبرر له. وتفاقمت الاضطرابات السياسية في اليمن منذ الإطاحة بصالح. ويعد تمرد الحوثيين واحدا من عدة تحديات أمنية في اليمن الذي يكافح حركة انفصالية في الجنوب واتساع نطاق نشاط تنظيم القاعدة.
من ناحية أخرى اتخذت الأوضاع الأمنية والعسكرية في العاصمة اليمنية صنعاء مزيدا من التصعيد، بين قوات الجيش والمتمردين الحوثيين الذين يصعدون من هجماتهم داخل العاصمة ويواصلون محاولة الاستيلاء على مبنى التلفزيون الرسمي ويخوضون صراعات مسلحة مع الجيش والمواطنين في أكثر من منطقة من العاصمة صنعاء، في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة التربية والتعليم عن تعليق الدراسة في مدارس العاصمة صنعاء إلى حين إشعار آخر جراء هذه التطورات.
ووصفت مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» ما يجري في صنعاء بأنه أشبه بحرب عصابات، وأن «الحوثيين يسعون إلى الوصول إلى هذه المرحلة، وقد استعدوا لها منذ وقت مبكر وبطريقة لم تنتبه لها الحكومة اليمنية». وأشارت هذه المصادر إلى «ضرورة اتخاذ خطوات حاسمة لردع التمدد الحوثي في صنعاء لأنها تعطيهم دفعة إلى الأمام وشعورا بالغطرسة». وذكرت المصادر أن شعبية الحوثيين «التي اكتسبوها الأسابيع الماضية عندما رفعوا شعار إسقاط الجرعة الاقتصادية تراجعت كثيرا الأيام الماضية بعد استخدامهم للعنف وظهور نواياهم الحقيقية بإعادة إنتاج ما قاموا به في صعدة والجوف وعمران خلال الفترة الماضية».
إلى ذلك، قال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إن «ما يجري في المنطقة خصوصا في سوريا والعراق ربما عكس ذلك نفسه على اليمن». وأشار إلى أن «ما يجري في ليبيا وسوريا والعراق يمثل أجندات هدامة تهدد الأمن والاستقرار في هذه الدول، ونحن في اليمن ربما هناك من لا يريد أن نستكمل مشوار النجاح العظيم لتطبيق مخرجات الحوار الوطني الشامل الذي مثل أفضل تظاهرة حديثة شهدها اليمن في تاريخه المعاصر». واعتبر هادي «وصول ميليشيات الحوثي المسلحة إلى صنعاء واحتلال وتدمير بعض المنازل والمرافق الحكومية ومحاولة محاصرة المعسكرات والمخيمات المسلحة بميليشياتهم التي يجلبونها من كل مكان من أجل محاصرة صنعاء عملا لا مبرر له، وإنما هو هروب من مستحقات الخروج بالأمن في اليمن إلى بر الأمان، وعدوان على العاصمة التي تمثل اليمن كله، فصنعاء يقطنها سكان من جميع المحافظات من أقصى اليمن إلى أقصاه، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، ولا يجوز أن تتعرض لهذا العدوان، فهو عدوان على اليمن كله».
وأكد الرئيس اليمني أن «محاولات كبيرة وحديثة قد جرت لاحتواء الموقف مع جماعة الحوثي ومن أجل تحاشي الانفجار والصدام الذي لا يبقي ولا يذر، وكانت أولى تلك المحاولات اللجنة الوطنية الرئاسية التي انبثقت من اللقاء الوطني الموسع بإجماع كل القوى الوطنية وأحزاب ومجالس النواب والشورى والشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني بكل أطيافها ومشاربها وبذلت أقصى الجهود مع الحوثيين وذهبت إلى صعدة للحوار لمدة تزيد على ثلاثة أيام، وعادت بخفي حنين إلا من الاستياء الذي أظهره رئيس وجميع أعضاء اللجنة».
على الصعيد الميداني في صنعاء، امتدت المواجهات المسلحة بين الحوثيين المتمردين والجيش إلى مناطق جديدة في جنوب وشرق العاصمة صنعاء، واستخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وسط أنباء عن اقتراب الحوثيين من مقر قطاع التلفزيون الحكومي الذي يقع على هضبة شمال صنعاء وشاهد السكان أعمدة دخان تتصاعد من أحد مبانيه بعد قصفه بقذائف صاروخية من قبل الحوثيين المحاصرين له من ثلاثة اتجاهات.
وأعلنت الحكومة وقف التعليم في جامعة صنعاء، وفي مدارس أمانة العاصمة، إضافة إلى توقف الملاحة الجوية بالكامل في مطار صنعاء الدولي. وأعلن وزير التربية والتعليم الدكتور عبد الرزاق الأشول توقيف الدراسة حرصا على سلامة الطلاب والطالبات والمعلمين والمعلمات نتيجة الأحداث الجارية التي تشهدها أمانة العاصمة، مؤكدا أن الدراسة ستستأنف بمدارس الأمانة عندما يستتب الأمن والاستقرار بالعاصمة وتنتهي حالة التوتر القائمة فيها.
وأكد سكان محليون في منطقة مذبح وشملان سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين خلال المواجهات التي كانت لا تزال مستمرة حتى مساء أمس، وأوضح الصحافي عامر الديني، وهو من سكان المنطقة، لـ«الشرق الأوسط»، أن الحي الذي يسكن فيها شهد أعنف المواجهات التي استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة بما فيها راجمات الصواريخ والمدافع. وأفاد بأن مسلحي الحوثي انتشروا على أسطح المنازل في منطقة مذبح واتخذوا عددا من المدارس مواقع لهم كما في مدرسة الحسن، ونادي الشعب الرياضي، وحاولوا السيطرة على هضبة يقع عليها منزل الجنرال علي محسن الأحمر تقع بالقرب من معسكر الفرقة.
واستمرت الاشتباكات في محيط جامعة الإيمان وما يعرف بمعسكر الفرقة الأولى مدرع وشارع الثلاثين ومحيط مبنى التلفزيون وحي الجراف الغربي وقرب وزارة الداخلية ومنطقة الحشيشية. وأفادت مصادر طبية بمقتل وجرح عدد من نزلاء مستشفى خاص بعد سقوط قذيفة هاون عليه صباح أمس.
إلى ذلك، أكد مصدر عسكري في المنطقة العسكرية السادسة أن مسلحي الحوثي هاجموا معسكر الخرافي التابع لقوات الاحتياط في المدخل الشمالي الشرقي لصنعاء بقذائف هاون ورشاشات ثقيلة، فيما رد الجيش بقصف مواقعهم بالدبابات، فيما استمرت المواجهات في مناطق شملان وشارع الثلاثين وبالقرب من معسكر الفرقة أولى مدرع وجامعة الايمان، شمال غربي صنعاء، وتوسعت لتشمل مناطق في حي صوفان ومحيط مقر وزارة الداخلية بالحصبة. واكتفى المصدر بالتأكيد على وجود عشرات القتلى والجرحى في صفوف الحوثيين وأيضا في صفوف الجيش والمدنيين.
ويحاول الحوثيون السيطرة على المداخل الشمالية للعاصمة وتعزيز مواقعهم في منطقة الجراف التي تعتبر المعقل الرئيس لهم، حيث قصف الجيش مقر مجلسهم السياسي الذي يقع في المنطقة بالدبابات، وشاهد سكان محليون أعمدة دخان تتصاعد داخله. وعلى مقربة من المنطقة تقدم مسلحو الحوثي إلى مناطق تبعد 100 متر عن مقر التلفزيون شمال صنعاء، والذي يحاولون السيطرة عليه منذ ثلاثة أيام، فيما أطلق إعلاميو التلفزيون نداء استغاثة ومناشدة لوزير الدفاع لإرسال تعزيزات عسكرية للحفاظ على سلامة الموظفين، بعد سقوط عدد منهم جرحى جراء القصف الحوثي.
وفي جنوب العاصمة بمنطقة حزيز، هاجم مسلحو الحوثي موكبا للشيخ القبلي أمين العكيمي أحد أبرز مشايخ قبيلة بكيل المشهورة، أثناء دخوله صنعاء. وأكدت قناة «المسيرة» التابعة للحوثيين هذا الهجوم، موضحة أن مسلحيهم تصدوا لمجاميع قبلية قادمة من الجوف، وتمكنوا من قتل وجرح عدد من المسلحين القبليين التابعين للعكيمي وإعطاب طقمين، مشيرة إلى أنهم تمكنوا من منع المسلحين القبليين من دخول صنعاء، فيما تضاربت الأنباء حول مقتل العكيمي خلال هذه المواجهات بعد استهداف سيارته الخاصة التي كانت ضمن الموكب.
صنعاء: عرفات مدابش وحمدان الرحبي
المصدر: الشرق الأوسط