كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة
عند دراستنا لثقافات وآداب الشعوب القديمة نجد أن الفكر الإنساني في حضارات بلاد الرافدين لم يأخذ حقه من الانتشار إلا لدى نخب قليلة من المهتمين بالميثيولوجيا والتاريخ الإنساني للشعوب. فمن الظلم أن يهتم العالم بحضارات الأمم ويبقى بعيدا بصورة عامة عن حضارة اتسمت معظم آثارها بالثقافة والمعرفة كحضارة بلاد الرافدين التي تبدأ ثقافيا منذ الألف الرابع قبل الميلاد.. بألواح السومريين المسمارية ثم الكتابات التي تطورت لاحقا ضمن الدول المتلاحقة كالأكادية والبابلية والآشورية.. وتركت لنا رقيمات أظهرت رقياً ونضجاً عقليا لدى إنسان المنطقة.
كذلك من الظلم أن تنال ملحمتا الإلياذة والأوديسة تلك الشهرة الجارفة، فتصدر الدراسات الكثيرة، وتُنتج الأفلام السينمائية العالمية عنهما، فيطّلع العالم على تاريخ الإغريق وطريقة عيشهم.. فيما ظلت ملحمة “جلجامش” السومرية نخبوية لم تنل من الشهرة العالمية ما نالته ملاحم الشعوب الأخرى، ولم تنل حظها سينمائيا بإمكانات هوليوودية، بل أُنتج عنها فيلم بسيط في خمسينات القرن العشرين كما عرفتُ من الصديق العراقي المهندس أحمد التميمي.
كي نتأكد من أن الحضارة والملحمة ظُلمتا.. يكفي أن نعرف أنّ ترجمات الألواح المكتوبة كشفت عن نظام مدرسي تعليمي في بلاد الرافدين في الألف الرابع قبل الميلاد، أي قبل أن يعرف الآخرون الكتابة.. وبتلك الكتابة نَقَشَ شخصٌ مجهولٌ ملحمةَ “جلجامش”، هذا الشخص الذي أعدّه من أهم مبدعي التاريخ، لأنه سعى إلى هدم فكرة سيطرة الآلهة على البشر، قبل ظهور الأديان السماوية. ودعا الإنسانَ بطريقة غير مباشرة إلى “ربيع سومري” قبل “الربيع العربي” بخمسة آلاف عام مثبتا أن النخب كانت تقود الشارع وليس كما يحدث اليوم. واستخدم في دعوته للتمرد على مجْمع الآلهة إسقاطاتٍ تنمّ عن عبقرية سبقت عصرها بآلاف السنين، فيرفض “جلجامش” إغواء “عشتار”.. ويتغلب على “إنكيدو” الذي أرسلته الآلهة لقهره طبقا لرغبة “عشتار” الانتقامية كما في الملحمة.. ويجعلهما الكاتب يتصادقان نكاية بتلك الآلهة المُختَرَعة التي هَزَم جلجامش وإنكيدو مشيئتَها بعدها بقتل الثور المجنّح والمارد “خمبابا”.
في الإلياذة والأوديسة خضع الإنسان لمشيئة آلهة الأولمب التي ابتدعها، وحين قرر مجْمعُها أن يقوم أخيل بقتل هيكتور حدث ذلك، وسقطت طروادة وقُتل رجالها واستبيحت نساؤها.. ولا يعني هذا أن “هوميروس” أقلُّ شأنا في الكتابة من صاحب جلجامش، فهو ناقل لرواية تناقلتها الأجيال، والحديث هنا عن الرؤية البشرية للآلهة في الملحمتين، فهي عند “هوميروس” استسلام لها، أما في ملحمة “جلجامش” فيقترب الكاتب من عقيدة التوحيد رافضا تعدد الآلهة.
لم ينتهِ الأمر، ما زال هناك سر الخلود.. وللحديث بقية.
الوطن أون لاين (2012-04-26)