رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
أعرف موظفين ومسؤولين كُثراً، وسمعت عن آخرين كثيرين في مختلف الجهات والدوائر، لا يلتفتون إلى الوقت، ولا يعرفون معنى الساعة، يعملون بإخلاص ومن دون تذمر، أثناء ساعات الدوام الرسمي، وخارج أوقات الدوام أيضاً، يؤدون مهام مختلفة، ليست من اختصاص وظيفتهم، لكنهم يسعون لمساعدة الناس والتيسير عليهم، لا يعرفون أبداً كلمة «لا يجوز»، ولا يرفضون مساعدة إنسان، ولا يطلبون من متعامل أو مراجع أن يُراجع إدارة ثانية، بل يتولى هو مجمل العمل من أجل التسهيل على هذا المراجع!
هؤلاء لا يفعلون ذلك في الغالب حباً في الترقية، ولا طمعاً في مكافأة، بل يفعلون ذلك لأنهم يحبون العمل أولاً، ويعشقون مهنتهم ثانياً، ويستمتعون بخدمة الناس والتسهيل عليهم، يفرحون لفرحهم تماماً كما يتضايقون مع كل مراجع متضايق لم يُنهِ معاملته!
أعرف نماذج كثيرة جداً، موجودين في كل دائرة أو مؤسسة حكومية، يستحقون كل تقدير واحترام وشكر، لأنهم فعلاً متميزون، لا يخلطون أبداً بين العمل وبين أي شيء آخر، فالجو العام أو البيئة المحيطة لا يمنعانهم من الإنتاج إن لم يكونا مشجعين، والترقيات والمكافآت لا تحبطهم إن تجاوزتهم، هم يعملون بضمير، وضميرهم يرشدهم إلى الإنتاج والإخلاص مهما كانت الظروف المحيطة.
كثيرون من هؤلاء المميزين كرّمهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على مدى الأعوام الماضية، ضمن فئات جائزة دبي للأداء الحكومي المتميز، وأحياناً من دون أن يترشحوا من دوائرهم، لأنهم فعلاً علامة فارقة ومميزة في مكان العمل، وكثيرون من هم في طريقهم للتكريم، رغب في ذلك مديروهم أم لم يرغبوا، لأن من يعمل بجد وإخلاص وتفانٍ لابد أن يصل يوماً إلى منصة التكريم، لا يستطيع أحد أبداً أن يحجب عنه هذا الشرف، لذلك فالموظف نفسه هو الذي يستطيع أن يضع نفسه في المكان الذي يستحق، بجهده وعمله، حتى إن تأخر وصوله إلى منصة التكريم لأي سبب كان، في النهاية لابد أن يصل.
في المقابل، هناك عدد أكثر من الموظفين يعتقدون أنهم فائقو التميز، لكنهم عملياً غير منتجين، وتمتلئ ملفاتهم الوظيفية بالغيابات والإجازات المرضية والإنذارات، ويقضون ساعات دوامهم في استراحة إفطار، وغداء، وكلام، وشائعات وأخبار سلبية، يضطر المسؤولون لمجاملتهم حرصاً على رفع نسبة الرضا الوظيفي، في حين أنهم يقيّمون دائرتهم تقييماً سيئاً، وهم أسوأ ما في هذه الدائرة!
أكثر الموظفين تذمراً هم، كما أنهم أكثر المطالبين بالترقيات والمزايا والتكريم، وهم لا يستحقونها، بل على العكس من ذلك لا يستحقون إلا لفت النظر والإنذار وخصم الراتب، ومع ذلك فهم يتحدثون عن التميز، ويصنفون أنفسهم من المتميزين، مع أن إنتاجهم هو في الواقع صفر!
هاتان الفئتان موجودتان في كل دائرة، وأعتقد أن المسؤولية كاملة تقع على المديرين والمسؤولين، لتطبيق الأنظمة واللوائح عليهم جميعاً، فيمنحون الترقيات والزيادات للفئة الأولى بكرم حاتمي، ويفعّلون جانب العقوبات على الفئة الثانية، لأنهم جميعاً في نهاية الشهر يستلمون رواتبهم، فالعدالة تقتضي ألا يتساووا في الشكر والتقدير والتكريم!
المصدر: الإمارات اليوم