عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية
بدايات العلاقات الدبلوماسية بين السعودية والصين من أهم العلاقات الدولية في العصر الحديث، فحتى بداية العام 1987م لم يكن هناك أي علاقات بين الرياض وبكين، بل وكانت تربط الرياض علاقات مع خصم الصين الأول “تايوان”، وخلال شهر مارس 1988م، نجحت المملكة في تنفيذ صفقة شراء صواريخ “رياح الشرق” وذلك قبل أشهر قليلة من نهاية الحرب العراقية – الإيرانية ،هذه الصفقة أحدثت هزة عالمية –آنذاك- وتسببت في إجبار واشنطن على استدعاء سفيرها في الرياض –رغم عدم مرور ستة أشهر على وصوله- بعد أن كاد يفقد عقله، وأزعج الملك فهد بمحاولات الاحتجاج بسبب هول المفاجأة والتى لم يتصورها، مع علم السفير أن الملك فهد –رحمه الله – طلب قبل ذلك من الرئيس الأمريكي رونالد ريغان شراء صواريخ أمريكية إستراتيجية من طراز “بيرشنغ ” إلا أن الامريكيين اعتذروا بدعوى أن مباحثاتهم مع الاتحاد السوفيتي حول القذائف متوسطة المدى تمنع بيع هذه الصواريخ، لأن ذلك يعني تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط.
الصدمة الأمريكية كانت مزدوجة لأن العملية بدأت عبر السفارة الصينية في واشنطن، ولم يتصور أحد أن الرياض ستشترى صواريخ إستراتيجية من دولة لا تربطها بها علاقات دبلوماسية، ولعل هذا يؤكد أن العلاقات السعودية الصينية بُنيت على المصلحة، والثقة قبل إعلانها رسميًا في يوليو من عام 1990 حيث تأسست العلاقات الدبلوماسية بعد أن اعترفت السعودية بأن “حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل كافة الشعب الصيني” فبدأت العلاقات الدبلوماسية رسميًا، وخلال عقد زار الملك عبدالله بكين عام ١٩٩٨م -يوم كان وليا العهد- حيث وصف الصين بأنها “أفضل صديق للسعودية” و في نوفمبر 1999م قام أول رئيس صيني “جيانغ زيمِن” بزيارة رسمية إلى المملكة، حيث تم توقيع “اتفاقية التعاون النفطي الاستراتيجي” وفي فبراير عام ٢٠٠٦، كان الملك عبدالله -وفي أول جولة خارجية– أول ملك سعودي يزور الصين، حيث تم توقيع خمس اتفاقيات تعاون في مجال الطاقة، تلا ذلك زيارة الرئيس الصيني (هو جينتاو) للمملكة مرتين في عامي ٢٠٠٦ و٢٠٠٩م، واستمرت الزيارات بشكل منتظم فالصين أكبر دولة صناعية وفي المقابل تحتاج إلى طلب متزايد على النفط، حيث قفز استهلاكها للنفط إلى 500 مليون طن عام 2012م، ونتيجة لذلك فلدى الصين قلق عميق على أمن طاقتها، حيث يتوقع أن يصل استهلاك آسيا 60% من نفط العالم بحلول عام 2020م.
سبق وأن استضفت السفير الصيني “لي تشنغ ون” في برنامج “دوائر سياسية” والذي كان يُعرض في القناة السعودية الأولى، وكانت الاسئلة صريحة حول الموقف الصيني من الأزمة السورية!، وكيف أن السعوديين يشعرون بخيبة أمل من الموقف الصيني باستخدام الفيتو والذي لا يتناسب مع مواقف الصين في دعم الشعوب العربية ولا يخدم مصالح الصين في العالم العربي؟، حيث كانت الرياض تتوقع من الصين –على الأقل – الحياد، وإذا لم تُساعد في إنهاء المأساة الإنسانية في سوريا فعليها أن لا تدعم نظاما سوريا فقد شرعيته العربية والدولية، ويقتل شعبه دون رحمة.
السفير كان دبلوماسيًا وعامًا في إجاباته، حيث أكد أن الصين لم تسع تاريخياً طوال حضارتها القديمة للتدخل في الشرق الأوسط، وأنها كانت قلقة من أحداث الربيع العربي؛ لذا لم تساند أيا منها، وأنها لا تساند النظام السوري، وأعرب عن أمله في أن تتخلى الأطراف السورية المعنية تحت الجهود الإقليمية المشتركة عن أعمال العنف بكافة أشكالها، وأن تطلق عملية سياسية شاملة في أسرع وقت ممكن،
السفير حاول تذكيري بعد اللقاء التلفازي أنه وخلال زيارة “رئيس الوزراء الصيني” (وين جياباو) (للمملكة) في يناير سنة 2012م وقع في الرياض اتفاقية للتعاون النووي، في مجال تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية، وكأنه يقول: إن الصين شريك يمكن أن يوثق به، كما وثقت به الرياض عام 1988م.
ساعة إرسال المقال تتحدث أوساط دبلوماسية صينية عن استعدادات بكين لاستقبال ولى العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز في زيارة تسبق زيارة مُرتقبة للرئيس الأميركي للرياض، ولعل زيارة الأمير سلمان تحمل رسائل سياسية سعودية متعددة.
المصدر: اليوم السعودية