عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية
كشأن اي علاقات ثنائية بين دولتين هامتين وجارتين في اي منطقة في العالم فإن ثمة مجموعة من العوامل الداخلية والاقليمية والدولية تتفاعل لتدفع هذه العلاقات نحو التطور الايجابي او البرود او التوتر ، وهذا مسار العلاقات التاريخية بين الرياض وطهران منذ وقع الطرفان معاهدة الصداقة عام 1929م ثم قيام الملك عبدالعزيز في شهر مايو 1932م بارسال ابنه الأمير فيصل على رأس وفد رسمي الى طهران حيث التقى رضا شاه ، ومهدت تلك الزيارة الطريق أمام قيام تعاون واقعي بين البلدين لم يخل من تقارب وتقلب وتوتر وقطع ثم استئناف للعلاقات الدبلوماسية.
بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران في فبراير 1979م نظرت السعودية لها على أنها مسألة داخلية بحتة، بينما نظرت قيادتها الثورية على أنها بضاعة يمكن تصديرها ليس إلى البلدان المجاورة بل للعالم ،وهذا جعل البعد الطائفي (في ما تمثله كلتا الدولتين من ثقل إسلامي) عامل توتر جديدا يضاف للتنافسين السياسي والعسكري، ومنذ تلك الفترة ضغطت الحرب العراقية – الإيرانية على العلاقات الثنائية ، وبعد مصادمات في مواسم الحج، وتبني مجموعة ايرانية اغتيال دبلوماسيين سعوديين حدث شرخ عميق استمر طويلا .
عودة للتاريخ القريب حين شاركت السعودية بوفد برئاسة ولى العهد (الملك عبدالله) في قمة المؤتمر الاسلامي في طهران في التاسع من ديسمبر 1997م وبعدها ازداد معدل الزيارات المتبادلة بين كبار المسئولين فى البلدين، والتى وصلت إلى زيارة الرئيس الإيرانى محمد خاتمي إلى السعودية فى مايو 1999، وأعقبها زيارة لرئيس البرلمان الإيرانى على اكبر نطاق نورى ، ثم زيارة على شامخانى وزير الدفاع الإيرانى للرياض فى أبريل 2000، فزيارة وزير الداخلية الامير نايف بن عبدالعزيز لطهران في ابريل 2001م وتوقيعه اول اتفاقية امنية بين الرياض وطهران (وقعها من الجانب الايراني حسن روحاني رئيس المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني آنذاك)كما شهدت هذه الفترة استئناف الرحلات الجوية بين طهران وجدة، وتنسيقا رفيع المستوى فيما يتعلق بأسعار النفط انخفاضا وارتفاعا هذا بالإضافة إلى توقيع البلدين لمجموعة من الاتفاقيات شملت المجالات الاقتصادية والتقنية والعلمية والثقافية والرياضية ومجالات العمالة ومكافحة المخدرات والاستثمارات المتبادلة، كذلك أعلن عن بدء دراسة إنشاء لجنة مشتركة بين البلدين وعن بدء الجهود الخاصة بإنشاء مجلس رجال أعمال إيراني سعودي.
ويمكن القول ان البلدين قد توصلا خلال هذه الفترة إلى بعض الأسس المشتركة، وهى حسن الجوار والتعايش السلمى وتسوية أى خلاف من خلال الحوار المباشر، والمشاورات المستمرة حول كافة القضايا محل العلاقات بين البلدين، وصولا (الى اجتياز العلاقات مرحلة بناء الثقة، وتوافر القدر الملائم من الطمأنينة والصدق والثقة المتبادلة حسب تصريح سابق للأمير سعود الفيصل).
الجديد في الامر هو فوز الرئيس حسن روحاني وتصريحه للشرق الاوسط (بتحويل الخصومة مع السعودية إلى احترام متبادل) والواقع يقول ان العالم الاسلامي يشهد اسوأ فترة صراع وتشنج مذهبي وحرب طائفية ولو تحسنت العلاقات بين البلدين – على الاقل اعلاميا – لهدأت الاصوات المتطرفة ، كما انه ليس من المستبعد ان نشهد علاقات امريكية ايرانية والآن نلاحظ بعض البرود في العلاقات السعودية التركية ،وبالتالي فعلاقات جيدة مع طهران ستكون افضل من استمرار التوتر السياسي اقليميا ، حيث ان تحسن العلاقات سينعكس ايجابيا على العراق ولبنان وحتى سوريا .
ان قدر الرياض وطهران هو الحفاظ على قدر من التنافس وفي نفس الوقت التعاون والتفاهم (وهما الوسيلتان الافضل والاقل تكلفة).
المصدر: اليوم السعودية