اللافت في إعفاء عبدالله الربيعة أنه جاء بعد ساعات من إقرار مجلس الوزراء برنامجه في معالجة «كورونا» ما يعني، غالباً، حدوث تطور معلوماتي مهم خلال الساعات اللاحقة أدت إلى الإعفاء. ويبدو أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز استشعر الخطر، الذي عايشه سابقاً في حمى الوادي المتصدع، حين كان ولياً للعهد، ما دفعه إلى قطع زيارته لفرنسا والتوجه إلى جازان مباشرة، فاتخذ قراره الفوري والحاسم بالتغيير.

الرسالة الواضحة هي أن الملك لا يقبل مساساً بحال المواطن وصحته. وهي رسالة للوزراء المتقاعسين في عملهم ليدركوا أن الرضا لا يدوم إلا بقدر الخدمة، وأن الناس، عند الملك، هم الهم الأول والأخير.

عادل فقيه سيصنع فرقاً واضحاً لأنه نتاج بيئة لا ترتهن إلى البيروقراطية. هذه هي نقطة تباينه مع غازي القصيبي الذي كان، على رغم نقائه الذهني الحاد، تربية القطاع البيروقراطي، ما أضعف إنجازاته، وطعن في قدراته على رغم فرادتها وامتيازها.

المهندس عادل ابن نقي للقطاع الخاص. وأبرز جهوده أنه أحال وزارة العمل إلى مؤسسة قطاع خاص من دون أن يصطدم ببيروقراطية الحكومة ودوائر عملها التي لا تفضي إلى نتيجة فاعلة.

أبقى عادل فقيه فريق العمل الحكومي من دون مساس بوظائفهم لأن مرجعهم هو وزارة الخدمة المدنية، إنما استثمر صلاحياته الوزارية في إنشاء فريق فاعل وترك للبيروقراطيين فرصة الخيار، إما الحركة أو السكون.

سينجح فقيه في الصحة، وسينقذ المملكة من مأزقها لأنه لا يعتبر أعوام العمل الطويلة معياراً مهنياً، إنما الحضور والفاعلية لمن أحدث فرقاً وابتكر فكرة. عادل لاعب مهم وناجح في تحرير مؤسسات في القطاع الخاص من ارتباكها. وهو، حكومياً، يوظّف هذه المهارات في الخلاص والتفلت من بيروقراطية خانقة. الفرق بين المهندس عادل فقيه والشيخ عبداللطيف آل الشيخ هو أن عبداللطيف عاد إلى الملك لتحريره من مصيدة البيروقراطية فمنحه صلاحيات استثنائية، بينما راهن عادل على تجاوز الفخ البيروقراطي فجعله كأنما لم يوجد أصلاً، مع أن الاثنين نجحا في فرض إرادتهما وتصورهما للتصحيح عبر طريقين مختلفين. مرة أخرى هذه رسالة صاعقة للوزراء المتباكين والشكائين المتذمرين، دوماً، من عوائق البيروقراطية تبريراً لفشلهم.

لا شك في أن الدكتور عبدالله الربيعة من أعظم الأطباء في السعودية. وأنه رجل نبيل يحمل طموحات عالية وعظيمة، إلا أن مشكلته هي خنق رؤيته بسبب اتكائه على فريق بيروقراطي كان هو عدوه الأساس ولم يكن أبداً فريق عمله.

أخطأ الربيعة حين جاء إلى الوزارة من دون فريق، بل أحسن الظن بفريق تقليدي اعتاد ممارسة الخداع والتلون في المعلومات والغياب عن معالجة المشكلات الراهنة، ثم راهن على فريق إعلامي كانت مهمته، الأساس، الترويج والدعاية للوزير وليس الشفافية والنشر الصادق للمعلومة.

كان الربيعة ينتمي لليوم بينما فريقه يسكن الأمس الساكن. لذلك كان سقوطه حتمياً لأن فريقه خذله، معلوماتياً، وراهن على تجربته التقليدية في أن الحكومة هي الأصل وما تقوله هو الحق من دون اتعاظ بتجربة وزير سابق هو فيصل الحجيلان الذي قدّم، حينها، بيانات مغلوطة عن ضحايا الحج، ظناً منه أن ذلك يخدم الحكومة وينقّي صفحتها.

هذه الوزارة المنحوسة سيكون عادل طبيبها الأخير والأكثر نجاحاً لأنه يعرف أن مشكلتها عدوه الأساس، البيروقراطية. لذلك سيحيلها إلى مؤسسة يطمئن إليها السعوديون بعد أن كرهوها عقوداً طويلة.

نجح عادل في وزارة العمل المعقدة والشائكة استناداً إلى عقليته المرنة، التي ستنجحه مع وزارة الصحة ليحررها من قيدها الأبدي، ويصنع منها فخراً للبلد بدلاً من أن تكون فوهة رمال تمتص خيراتها من دون أن تثمر شيئاً.

أيها الوزراء اصنعوا فرقاً وخدمة حتى لا يأتيكم عادل وفريقه فيجعلوا منكم صفحة مطوية في تاريخ البلد.

المصدر: الحياة