رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
السعادة ليست في إزالة الرادارات من الشوارع، كما أنها ليست في الحصول على إجازة من جهة العمل، وبالتأكيد ليست في عدم الذهاب إلى المدرسة، مثل هذه الأشياء وغيرها هي مجرد سعادة «آنية»، كما عرّفتها وزيرة الدولة للسعادة عهود الرومي في لقائها الأول مع المؤسسات الإعلامية، وبكل تأكيد السعادة أكبر من ذلك بكثير، فهي علم قائم مستقل بذاته، يدرّس الآن في كثير من الجامعات، وهي ممارسات ومعايير ومؤشرات أداء وقياس تؤثر في اقتصادات الدول وحياة المجتمعات، لذا فإنشاء وزارة للسعادة في الإمارات لم يكن هدفه دعائياً، كما أنها ليست رفاهية لا داعي لها، بل هي خطوة حضارية راقية، ولها تأثيرات إيجابية في جميع مجالات العمل والحياة.
هي مسؤولية صعبة، لكنها ليست مستحيلة، وهي ليست مسؤولية وزارة واحدة، بل هي مسؤولية مشتركة تتحملها كل الوزارات والدوائر المحلية والمسؤولين التنفيذيين في كل مكان، فالمجتمع مجموعة من العناصر المتشابكة والمتداخلة التي يصعب تفكيكها، فمن أجل سعادة المتعامل والمراجع لابد من إسعاد الموظف، ومن أجل ضمان سعادة الموظف في العمل لابد من توفير كثير من الاحتياجات المُلحة له، كالسكن والعلاج وتعليم الأبناء، هي سلسلة مترابطة، تشترك فيها جميع الوزارات، وهي مسؤولية حكومة كاملة، وغير مقتصرة على وزيرة أو وزارة.
ومن هُنا تحديداً تأتي أهمية وزارة السعادة، فهي الجهة التي ستعمل على تنسيق العمل الحكومي وضبط إيقاعه، ليتواءم مع نشر السعادة وفقاً للمعايير العالمية، هي الجهة التي سيقع على كاهلها النظر بصورة شاملة وعميقة لمخرجات بقية الوزارات، حتى لا تخرج هذه المخرجات، سواء كانت قرارات أو قوانين أو تعليمات، بعيدة عن رؤية الدولة وتوجهها نحو إسعاد المجتمع، ورفع معدلات سعادة الأفراد.
السعادة مرتبطة بالإنتاجية، فالموظف السعيد ينتج أضعاف المرات أكثر من غيره السلبي أو غير السعيد، وهذا دون شك ينعكس على اقتصاد الدولة بشكل عام، فتزايد السعداء يرفع معدلات النمو، والعكس صحيح، فزيادة الأشخاص السلبيين تضر بالإنتاجية، وبالاقتصاد الكلي للدولة، هذه ليست فلسفة، بل هي حقيقة علمية موثقة بالدراسات والأرقام الحقيقية، ما يعني أن التوجه نحو نشر ثقافة السعادة هو ضرورة مجتمعية، تنعكس فوائدها على الإنسان نفسه، ومن ثم عائلته، ولها تأثيرات مباشرة في المجتمع والاقتصاد العام، لذا لا يمكن أبداً الاستهانة بهذا الجانب أو تجاهل تأثيراته، كما لا يمكن تركه دون قياس أو دراسات، ومن ثم قرارات وقوانين، لرفع معدلات السعادة كضرورة اجتماعية واقتصادية وحياتية.
عموماً الإمارات دولة سعيدة، ارتبطت بالسعادة منذ عام 1971، وهي تسير بثقة نحو استمرارية تحقيق السعادة وتكريسها كممارسة علمية، وفق منهجيات وخطط واستراتيجيات قابلة للتنفيذ والقياس، وتبذل في سبيل ذلك جهوداً ضخمة، سواء على مستوى تقديم الخدمات، أو تحقيق الإنجازات، أو السعي لراحة ورفاهية المجتمع، لكن قبل ذلك كله، وبعده أيضاً، يجب أن نؤمن جميعاً بأن السعادة الحقيقية هي شيء كامن في ذات الإنسان، وهو وحده من يستطيع إسعاد نفسه من خلال التفاؤل والإيجابية، والنظر بلهفة نحو نصف الكوب المملوء، والتغلب على كل التحديات، أو يتقوقع خلف السلبيات، فلا يرى سواها، ويصر على التركيز فقط على النقطة السوداء، مهما كان اتساع البياض الذي يحيط بها!
المصدر: الإمارات اليوم