«السعادة والإيجابية» لمحمد بن راشد سيحدث حركة في منحى القراءة والتثقيف

أخبار

تحددت مسائل كتاب «تأملات في السعادة والإيجابية» لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في موضوعين رئيسيين هما الإيجابية والسعادة بحيث اشتمل الكتاب على مقدمة وأربعة وعشرين عنواناً من القطع المتوسط.

يدور الحديث في الكتاب من أوله لآخره في مسألتي الإيجابية والسعادة، ويعتبر هذا الكتاب الثالث للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حيث سبقه كتابان الأول «رؤيتي» وهذا من أهم الكتب الصادرة في مجاله والثاني كتاب «ومضات من فكر» والثالث هذا الذي نحن بصدد قراءته ودراسته، ويعتبر الكاتب الشيخ محمد بن راشد ذا قدرة وباع طويل في إدارة الحديث في هذا الشأن وتحليل المواقف واستخلاص الرؤى والنتائج وضرب الأمثلة المناسبة الهادفة بأسلوب بارع وسهل ميسر فيه لمسة شاعرية تسهل من صعوبة المادة الإدارية المتحدث عنها لكونهما من مفردات الثقافة الإدارية، ولكن الشاعر استطاع أن يصوغ الحديث فيهما بتلك السلاسة والجاذبية التي تجعل المثقف عموماً يستبسط هذا الطرح ويقبل عليه بشغف واهتمام والذي ربما أسمّيه السهل الممتنع.

والذي يحضر مجالس الشيخ محمد بن راشد يعرف بأن ما ورد في الكتاب من أحاديث وقصص ورؤى يعلم بأن كل ذلك كان يتحدث به الشيخ محمد في جلساته كأحاديث عادية وبأسلوب مبسط ويطرح كثيراً من الأفكار التطويرية في عديد من المجالات وأن ما ضمنه الكتاب من ذلك لم يتعد تجميع هذه الأحاديث وتبويبها تحت عناوين تفصيلية وصياغتها صياغة جميلة بسيطة قريبة من ذهن المتلقي ورأيي أن هذا الكتاب من أهم الكتب الصادرة في مجاله وسيحدث حركة وتنشيطاً لمنحى القراءة والتثقيف في مجال ما ضمه الكتاب من موضوعات سبق الشيخ محمد في تأليفها والتطرق إليها بهذا الشكل الجميل من الكتابة والتبسيط فيها وسيلقى الكتاب من وجهة نظري اهتماماً من القرّاء والباحثين على قدر سواء وذلك ما تدل عليه المؤشرات الأولية في التوزيع، حيث نفد الكثير من النسخ في يومه الأول، وكثير من الناس يسألون أين سيجدون نسخاً منه لقراءته، وذلك راجع في نظري لثلاثة أسباب:

1- أنه كتاب من تأليف سمو الشيخ محمد ذاته الذي عود القرّاء على هذه النوعية من الكتب المهمة والهادفة.

2- أسلوبه المتميز في ذلك لكونه شاعراً يعرف كيف تؤثر صياغة الكلمة في ذهن القارئ ووجدانه فصياغته في هذه الكتب صياغة متميزة سهلة تقترب من السهل الممتنع.

3- اختيار الموضوعات الجديدة التي تهم القارئ والمجتمع ولكونها من الموضوعات الجديدة، فإنها تشد ذهن المتلقي وتجعله يقبل عليها بشغف واهتمام، وكل ذلك ما توفر لهذا الكتاب المتميز في موضوعاته وطرحه وصياغته، بما أسهم ذلك إلى حد بعيد في تشويق القارئ للإقبال عليه والاستغراق فيه وإكماله بتواصل وسرعة.

تأثير فاعل

في مقدمة الكتاب يلخص الكاتب نظرته إلى السعادة والإيجابية، وكونهما ذا تأثير فاعل في كثير من القرارات التي يتخذها ودورهما البارز في علاقته بمن حوله وتأثيرهما في رؤيته للتحديات وإسهامهما في كثير من نجاحاته وفي تحقيق السعادة في كل شيء سواءً كان فرداً أو شعباً أو أمةً.

ويعتبر الكاتب أن ما أورده في كتابه من قصص ومواقف نابع من تجربته ومسيرته ومما قرأه أو سمعه وما شهده من نجاحات ليس لمجرد التوثيق أو القراءة والمتعة، وإنما كما يراه واجباً عليه تجاه الجيل الجديد من أبنائه وبناته وإخوانه وأخواته لتعليمهم شيئاً من فنون الحياة ودروسها ونقل خبرته وتجاربه إليهم.. فزكاة العلم كما يعتقده الكاتب في تعليمه ونماء الحكمة في نشرها وزيادة المعرفة في نقلها وليس مجرد ذلك فقط، وإنما جانب مهم منه يكون في نقد ما يقرؤه الإنسان وإعمال الفكر فيه.

مقدمة مختصرة جداً ملأ بمضمونها في كونها كما ذكرت تلخيصاً لما تحمله أوراق الكتاب من مواد وذات زخم معرفي وفكري بعيد الغور..

تتميز المقدمة بتواضع الكاتب الجم، إذ يعرض شيئاً من تجاربه في ذلك الإطار من التواضع والبعد عن تضخيم الأنا والاعتداد بالنفس، إذ كان هدفه كما صرح أن يعرض هذه الآراء والأحكام على أبنائه وأخوته ليقرؤها وينفذوها ويعملوا فيها فكرهم ليستنهض هممهم وليبعد عن أنفسهم رهبة نقد أقوال وأحكام القائد… من يقرأ المقدمة وهي عبارة عن صفحة واحدة يلمس من خلالها صياغة ومعنى أن الكتاب سيكون دسماً للغاية وعميقاً على ذات القدر ومشجعاً للقراءة والاستغراق فيها إلى حد بعيد كعادة الكاتب فيما كتبه من قبل من رؤى وأفكار.

لماذا السعادة؟.. سؤال يطرحه الكاتب على نفسه، وذلك من خلال ما شاع على ألسنة الناس فيما أرادوا أن يعلموه من هذا الأمر الذي أصبح جزءاً من خطاب الشيخ محمد بن راشد وضمن أجندة حكومته ومبادراتها.. ولا شك أن هذا السؤال طرح كثيراً في أوساط عديد من الفئات وأصبح يحتاج إلى إجابة وتوضيح مما دعا الكاتب أن يتبناه ويشمر عن ساعده لتوضيحه وإجلاء غموضه وبيان مزاياه.. وهذا ما يعطي قناعة بقرب القائد من جماعته وناسه بحيث يتفاعل معهم ويسمع لهم ويتحسس استفساراتهم وأسئلتهم ويجيب عليها ويوضح خفاياها. فالقائد عندنا يعيش بين الناس وليس في أبراج عاجية تمنع وصول أصوات الناس إليه وأسئلتهم كما يحدث في بعض المجتمعات العربية فالقائد عندنا طبق الأصل عن الإنسان العادي في المجتمع، لكنه يتميز بكثرة مسؤولياته وانشغالاته وتشعّب اهتماماته وكونه يحرص على توفير ما يسعد شعبه من توفير مستلزمات الحياة ويشارك الناس أفراحهم وأتراحهم ويشركهم في فكره وثقافته ويشغل نفسه بالرد على استفساراتهم وما يشغل بالهم.

وللإجابة عن هذا السؤال الذي كثيراً ما كان الكاتب يطرحه على نفسه ما هو دوره كقائد؟ وما دور حكومته معه؟ هل ما تحققه الحكومة من خدمات في مجال الصحة والتعليم والسكن والطرق والبنية التحتية كافٍ أم له وللحكومة دور آخر فوق ذلك الدور..؟ ويأتي الجواب من الكاتب بأن له ولحكومته دور أعمق وأكثر تأثيراً وإلهاماً، وذلك كما يقول عندما تسعى لإسعاد الناس كي يستطيعوا تحقيق ذواتهم وعلى الحكومة دور أيضاً هو خلق البيئة التي يستطيع الناس من خلالها تحقيق طموحاتهم وأحلامهم وذواتهم لتحقيق سعادتهم وينظر الكاتب بعين الغبطة والرضا لبعض البشر من موظفي الحكومة الذين قضوا من 30 – 40 سنة وهم يخدمون الناس ويسعدونهم ويسجل الكاتب هذه المزية لهم فالسعادة كما يذهب ذات وجهين وجه لمن سهلت أموره في قطاعات الحكومة والوجه الآخر لمن قام بتقديم هذه السعادة المتواصلة طوال أعوام خدمته، لذا فهو يقول (السعي لإسعاد الناس سعادة بحد ذاتها حتى في ديننا فإن إدخال السرور على البشر من أعظم الأعمال وخير الناس أنفعهم للناس)، والكاتب هنا يستثمر تفاني الحكومة في إسعاد الناس وتوفير الفرص لهم في أن تلك الخدمات المتطورة ووصولها للناس بتلك الآلية من المحبة والتفاعل يجعل العلاقة بين الحكومة والشعب في أحسن حالاتها.

فالسعادة وتحقيقها جزء من يقين الكاتب وفكره وليس في كونه متبنياً لذلك وليس كونه حالماً مثالياً فقبله أمم ومفكرون طالبوا بتحقيق سعادة الشعوب وحتى الأمم المتحدة في العصر الحديث جعلت معياراً جديداً للحكومات هو معيار السعادة وخصصت يوماً عالمياً لذلك وأفضل ويسيطر هذا الأمر على فكر ولب الكاتب لذلك فهو يسعى ما أمكنه الحديث في تقريب مفرداته وتثبيت حقيقته في عقول الناس فيقول (نعم نحن نسعى لإسعاد الناس، وسيظل إسعادهم غاية وهدفاً وبرامج عمل حتى يترسخ واقعاً دائماً ومستمراً.. ولكون خطاب السعادة جديد في الإمارات بدأه الشيخ محمد ذاته واستمر في هذه الآونة وخصص له في حكومته وزيرة للسعادة الأمر الذي كان من نتيجته ورود أسئلة وتعليقات كثيرة أغربها كما يقول من أخ إعلامي قال، ألا تعتقدون أنكم تغردون خارج السرب فرد عليه الكاتب، (بأننا جزء من السرب نحاول أن نبني أملاً لهذا السرب).. جواب يكشف عن يقين الكاتب بالسعادة وأنه سائر في درب تحقيق هذه السعادة لأبناء شعبه، ويعتبر ذلك جزءاً من فكره ومهمته وفكر ومهمة حكومته.. وعنده أن منطقتنا بحاجة ماسة لهذه السعادة أكثر من أي منطقة سواها لأنه كما يرى بأن عنصر التشاؤم قد عم وانتشر من خلال خطابات الإعلام وآراء المثقفين ونشرات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، فالكاتب يريد أن يحمي المنطقة والشباب من شر هذا التشاؤم، لذلك فهو يركز كثيراً على خطاب التفاؤل ونشر مفاهيم السعادة.

وعند الكاتب أن السعادة لا تستلزم مخصصات مالية إضافية على ميزانية الحكومة، فالسعادة مرتبطة في نظره بتحقيق برامج الحكومة المخصصة جميعها لإسعاد الناس.. وفي نظره واعتقاده أن سعي الحكومة لتحقيق السعادة يؤدي إلى وفر في ميزانيتها، فالسعادة كما يقول ليست كلفة وإنما ثروة للشعوب، ويتيح الشيخ محمد المجال للناس وخاصة أصحاب الرأي منهم لأن يقولوا ما يشاءون، لكنه لا يلتفت إلى تلك الأقوال المثبطة للعزائم لأن بها نظرة سلبية للأمور، بحيث تؤدي إلى بقاء الشؤون الحياتية على نفس ما عليه دون تطوير وتحديث.. فمن ذلك ما قاله له بعض أصدقائه من التهاني والتبريكات والنصائح والتحذيرات بأن أمور الحكومة الاتحادية ليس من السهل تيسيرها وحل معضلاتها لكون أمورها معقدة والطريق أمامه طويل وتحديات في حجم المستحيل وتغيير الحال من المحال، لكنه كان يستمع إلى كل ذلك ويبتسم لكونه يرى أشياء مختلفة وفرصاً متاحة للتطوير والإنجاز، وكان يرسم في ذهنه صورة للحكومة بعد سنوات صورة وردية بحيث يتصورها من أفضل الحكومات، لأنه يؤمن بخدمة الناس وإسعادهم وقد بدأ العمل من منظور هذا التفاؤل الإيجابي، فوضع الخطط والاستراتيجيات وأطلق رؤية مستقبلية وتخلص من ديون الحكومة الاتحادية ووضع مؤشرات للأداء وجوائز لتحسين الأداء ودرّب آلاف الموظفين ومنح ثقته للشباب، وعدّل كثيراً من القوانين حتى أصبحت الحكومة عام 2017م هي الأولى عالمياً في الكفاءة الحكومية ولم يرتضِ الشيخ محمد بذلك، وإنما قاده خياله وإصراره على كسب التحدي، حيث وصل بفكره وتوجيهه إلى المريخ فلم يكن ليستسلم للمثبطين إذ كان يرى المشاكل والمصاعب وكأنها فرصٌ كبيرة ومجالٌ للإنجازات مع يقينه أن هناك تحديات ولا يمكن لعمل إن يخلو من هذه التحديات، لكنها لم تكن لتقف في طريقه أمام التطوير والإبداع فالإنسان كما يذكر أمامه طريقان إما أن يقف ويتراجع أو أن يتجاوز ويبدع وإن العمل الذي يؤسسه في دولة الإمارات لم يكن ليقف مكانه فتاريخ هذه الدولة منذ تاريخ إنشائها معروفة بالتطور والأخذ بأسباب التقدم والنهضة، فالشيخ محمد بعكس فكر كثيرين من الذين يرون أمامهم مصاعب ومشكلات، فإنه بعكسهم يراها فرصاً وإن التحديات مجال كبير للإبداع والإنجازات.

وكثيراً ما يستفيد الشيخ محمد من تجاربه الشخصية في تطوير عمله وإبداعه فيه حتى في الأمور التخصصية فإنه كان ينظر إلى تجربته الشخصية رغم احترامه لما يقرره المتخصصون.. فالإيجابية أحد الأمور التي اختلفت التعريفات والتقسيمات فيها تبعاً للمنهج وللزاوية التي ينظر منها الإنسان إلى هذا الأمر، غير أنه وجد أن أقرب تعريف للإيجابية من وجهة نظره هو ما أنتجه فكره ذاته من أنها تتعلق بنظرة الإنسان للأمور فهي كالنظارات التي يضعها الإنسان على عينيه فإذا كانت نظارات سوداء رأى العالم قاتماً والمستقبل مظلماً، إما إذا كانت نظرتك للأمور إيجابية رأيت في التحديات فرصاً وفي المستقبل نجاحاً ورأيت العالم سعيداً، فالنظرة الإيجابية عنده أنها توّلد في الإنسان طاقة كبيرة للعمل.. وفي جلسة من جلساته في الصحراء مع بعض الأصدقاء تعددت آراؤهم في الصحراء، غير أنه قال لهم رأيين فيها كلاهما ينبض بالإيجابية نظرته إليها كشاعر فهي في هذه الحالة مصدر إلهامه ووجد أنه ونظرته إليها كقائد فإنه يراها ثروة وطنية ومصدراً للدخل، أما لو نظر إليها كصحراء قاحلة لما تمكن من أن يجذب إليها 12 مليون سائح سنوي وعنده أن كثيراً من المنشآت السياحية تبنى في الصحراء وأداة لاستقطاب السياح العالميين وعادة ما يزرع الشيخ محمد الأمل والتفاؤل والثقة بالنفس فيمن حوله فعندما زاره وفد من الموظفين قال لهم، أنتم قادة، أنتم من نتحرك من خلالكم ونفكر بعقولكم، شاحناً في نفوسهم الحماس الإيجابي وعنده أنه عندما يطبق الإيجابية بهذا المنظور تتولد الإبداعات وتنطلق الإمكانات وتتحقق المعجزات.

وكثيراً ما يضرب المثل بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث إنها في عرفه قامت منذ بدء نشأتها على أهم عنصر ألا وهو التفاؤل بالمستقبل وتوقع الأفضل والثقة بالقدرات والتوكل على رب السماوات، وقد استفاد الشيخ محمد من صحبته في ترسيخ هذا المفهوم الإيجابي لديه للآباء المؤسسين المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان والشيخ راشد بن سعيد رحمهما الله، وطيب ثراهما، هذان القائدان اللذان هما نبراس ضيائه وتغذية فكره ودفعه للأمام فمن يصدق كما يذكر بأن هذين الرجلين في خيمة في الصحراء عام 68 كان لديهما هدف بناء دولة متقدمة يشار إليها بالبنان، وذلك راجع في نظره إلى ما لديهما من تفاؤل وثقة كافية للنجاح في تحويل إمارات قبلية إلى دولة مؤسسات وأنظمة وتعليم وجامعات خلال سنوات محدودة، فلو كانت تسيطر عليهما السلبية لما تمكنا من بناء هذا الصرح العظيم، ويضرب مثلاً بقصة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، مع الخبراء الزراعيين إذ كانت لديه فكرة في تخضير وزراعة أبوظبي فعارض الخبراء هذا الرأي بسبب ملوحة التربة، لكنه خالفهم وبدأ مشروعه الحضاري في الزراعة بعكس رأي الخبراء وأصلح التربة ووفر المياه فزرعت غابات كثيرة ممتدة أمام نظر الرائي وبسقت أشجار كثيفة في المدن والصحراء والجزر، واختير زايد تبعاً لذلك رجل البيئة، ويضرب لنا مثلاً آخر بوالده الشيخ راشد، رحمه الله، عندما أراد توسعة الخور فقال له الخبراء بارتفاع تكلفة المشروع فتفتق فكره عن مساهمة فاعلة في تخفيض العبء المالي على الحكومة فأصدر سندات الخور كما استفاد من بيع أراضٍ مستصلحة على ضفاف الخور من ردمها بمخلفات الخور الناتجة عن الحفر، فالقائد الناجح من منظور الشيخ محمد يتحدد في قدرته على رسم صورة إيجابية متفائلة للمستقبل يغمض عينيه ويتخيل من خلال ذلك ملامح المستقبل والإنجازات فيه ويعيش على مشاعر هذا النجاح الذي لم يبدأ بعد وليس ذلك عنده حلماً، وإنما صورة خيالية للمستقبل الذي لديه القدرة والإيجابية لتحويله إلى واقع ملموس من خلال برنامج عمل دؤوبة وسريعة.

والكاتب مؤمن بقدرات وتأثير والده عليه، لذلك كثيراً ما يستشهد بالشيخ زايد والشيخ راشد، رحمهما الله، ويضرب لنا مثلاً ببرج دبي التجاري، حيث تم إنشاؤه في وسط الصحراء على الطريق الموصل إلى أبوظبي، حيث لا سكن ولا عمارات ولا شوارع غير الفضاء الممتد وكانت نيته كما يذكر الشيخ محمد أن يبني مدينة حوله وأن يبدأ المعماريون والملاك من حيث انتهى الشيخ راشد، وهذا ما حدث بالفعل حيث يعتبر شارع الشيخ زايد اليوم تحفة معمارية لكثرة تعدد أشكال الأبراج من حوله وامتدادها إلى مساحة كبيرة من الأرض.. وحين تذمر بعض الوزراء كما يصرح الكاتب من كثرة المؤشرات في برنامج الأداء الحكومي وكثرة التقارير أصر الشيخ محمد على استمرارية ذلك لأنه كما يقول يعرف إلى أين سيصل الجميع بعد عدة سنوات، حيث وصلت الحكومة من جراء ذلك إلى اعتبارها أفضل حكومة عالمياً من حيث كفاءة الأداء.. وهذا ما حدث في طيران الإمارات، حيث وضع الشيخ محمد متسوقين يسافرون على خطوطها ويقدمون التقارير لتحسين الخدمات، وبفضل هذه المتابعة الحثيثة كبرت طيران الإمارات، وتميزت بين مثيلاتها بحيث كانت ولا تزال خدماتها الأفضل عالمياً، وأصبحت جودة الخدمات شعار طيران الإمارات.

فالإيجابية كما يحدد مفهومها الكاتب تكمن في وضوح الرؤية ووضوح تفاصيل الصورة والثقة بالله.. والشيخ محمد على اطلاع كامل بمفهوم الإيجابية من الناحية النظرية والعملية وله محدداتها الشخصية في فكره، فمن ذلك أنه لا يوجد عنده شخص غير مهم أو فكرة غير مهمة أو وظيفة غير مهمة فكل إنسان تكمن في داخله طاقة عظيمة ومختلفة ربما تفرده عن غيره من الناس وأن كل إنسان له قيمة وله إبداع ودور يؤديه في الحياة، وهذه هي النظرة الإيجابية التي يجب أن ينظر بها الإنسان لمن حوله..ويعيد الشيخ محمد تعريفه للإيجابية وتحديد مكوناتها كل ذلك ليرسخ هذا المفهوم في ذهن القارئ ليستوعب معنى الإيجابية ومضمونها الصحيح لتكون الإيجابية عوناً له على بناء ذاته وقدراته، ومن ثم تطوير كثير من الرؤى والخدمات من حوله… والوظيفة لدى الشيخ محمد فرصة ثمينة لإثبات الذات كما هي فرصة للتعلم لكون قيمة كل إنسان كما يقول فيما يتقنه… أما إن نظر الإنسان إلى الوظيفة كما يقول بأنها عبء أو أنها مكان لكسب العيش فإن هذا الإنسان بهذا الفكر المحدود سيكون على هامش الإنجاز وهامش الحياة ذاتها.. ولديه في ذلك مثل لفتاة إماراتية كفيفة البصر استطاعت أن تنهي دراستها الثانوية والجامعية وتخصصت في علم القانون وتعمل بوزارة العدل محامية عن قضايا الدولة فلم تخسر قضية منها، فعنده أن هذه الفتاة تتميز بالإيجابية ولو لم تكن كذلك لما حققت هذا النجاح المستمر منذ طفولتها إلى اليوم ولما استطاعت أن تتغلب على التحديات التي واجهتها فمن باب أولى عنده أن الإنسان العادي الذي لم يمر بظروف كظروفها أن يتغلب على تحدياته.

والشيخ محمد لا يؤمن بالعمل الفردي، لأنه في نظره لا يحقق الغاية المثلى من العمل التي ينتظرها القائد، بل في فكره أن المجتمع أو الدولة وحتى الأمة أيضاً بحاجة إلى فرق عمل لتبني وتعمر.. وليست نظرة الناس إلى فرق العمل متوحدة وإنما كل ينظر إليها من زاويته الخاصة به فبعضهم يراها كما يقول الكاتب عبئاً وبعضهم يراها وسيلة لمصالح شخصية أو حتى مؤسسية، وآخرون هم في صراع دائم مع فرق عملهم وربما شيء من ذلك راجع إلى تشكيل فرق العمل نفسها فمنهم من يشكلها ضعيفة ومنهم من يستمر في البحث عن أخطاء الفريق.. وحكم الكاتب هنا ينبع من نظرته الإيجابية لفرق العمل لذلك تتغير نظرته لهذا الأسلوب من العمل عن نظرة غيره، لأنه يرى بأن أعضاء فرق العمل هم العقول التي يفكر بها ويديه اللتين يعمل بهما، وذلك ما يجب أن يسود الجميع في نظرتهم إلى فرق عملهم… فالشيخ محمد يؤمن بأن ذكاء الفريق أكبر من ذكاء الفرد، لهذا فهو في حاجة إلى هذا الذكاء لتحقيق إنجازات أفضل وأكبر وأكثر إبداعاً.. فالشيخ محمد يلتقي سنوياً بآلاف الفرق لذلك فإن نظرة القائد الإيجابية هي التي يجب أن تحكم نجاح هذه الفرق.

فالكاتب يؤمن إيماناً مطلقاً بأن فرق العمل تستطيع أن تحقق المعجزات إذا توفرت لها البيئة الإيجابية والمحفزة، ويضرب مثلاً بالشباب الذين شكل منهم فرقاً لتصنيع الأقمار الصناعية فها هم اليوم يديرون قمراً صناعياً بأيدٍ إماراتية ليطلقونه عام 2017م ويفكرون جادين في الوصول إلى المريخ عام 2021م عن طريق إطلاق مسبار الأمل.. ويقارن الشيخ محمد بأن فريقاً يستطيع الوصول إلى المريخ وفريقاً آخر لا يستطيع أن ينجز معاملات ورقية والسبب عنده يعود للقائد… الشيخ محمد على يقين بقدرة الشباب العربي على أن يقدم شيئاً جديداً للعالم فقط يحتاج إلى الثقة بالنفس وتغيير ثقافة الأجيال الجديدة.. وكثيراً ما يركز الشيخ محمد على المستقبل والنظر إليه بإيجابية، وهذا ما كرره مراراً وتكراراً في ثنايا الكتاب، ويستغرب من كثرة التشاؤم في الدول العربية خاصة فيما يخص منتجاتها الفكرية والإعلامية حتى الأمثال كما يذكر الكاتب قمنا بصياغتها بشكل يدعو للإحباط فهذه ثقافة تاريخية منذ عهد الجاهلية، فكانوا إذا أرادوا سفراً أطلقوا طيراً فإذا اتجه يميناً تفاءلوا به وإذا اتجه شمالاً تشاءموا به، فهذا جزء من ثقافة الإحباط في نظر الكاتب.. وينظر إلى تجربة اليابان وألمانيا بعين الغبطة، إذ خرجتا مدمرتين من الحرب العالمية الثانية، فخلال عشر سنوات تخطتا حاجز محنتهما وبنتا دولتهما وأصبحتا قوة اقتصادية معتبرة في العالم وذلك راجع كما يحدده الكاتب إلى ثقتهما بأنفسهما وإيمانهما بقدرتهما على بناء المستقبل.

التقدم والنهضة

ويرجع الكاتب التقدم والنهضة إلى عامل مهم وهو الثقة بالمستقبل، ويضرب مثالاً لذلك بأننا كنا في الإمارات قبائل متفرقة غير متعلمة، واليوم نحن دولة عالمية متقدمة تزداد ثقتها بنفسها وتكبر معها على مرور الوقت إنجازاتها.. وأهم معطل عنده للنهضة هو التوقف والانتظار يريدون شيئاً خارجياً يحدث أو قائداً يأتي أو معجزة من السماء تحل ليتغيروا وذلك مخالف لسنة الكون والطبيعة، ويعيب الكاتب هذا المسلك من التوقف غير المبرر وأن الكل يجب أن يعمل سواءً فرداً كان أم مجتمعاً، وكثيراً ما يضرب الأمثلة بدولة الإمارات لكونها تجربة حية ناجحة في البناء والنهضة، والكاتب ليس بضنين بتجربته على الغير، وإنما هو يطرحها للاستفادة منها لدى كل الدول، لأن همه أن ينهض العالم في مدارج الرقي والتطور. فمبدأ الانتظار مبدأ بغيض في عرف الكاتب فبعضهم كما يشير ينتظر أن يتوحد العرب وبعضهم ينتظر حتى تنتهي الحروب وليس أسوأ عنده من الانتظار المكلف، ويذكر أنه ليس من محرك إيجابي للعمل من القائد الذي يشكل في أقواله وأفعاله وأفكاره قدوة لمن حوله وهو ما يحتاجه الناس، والقادة الإيجابيون هم الذين يؤثرون في الناس دون السلبيين منهم وخير مثال يبرز في ذلك هم قادة الإمارات الذين مروا بظروفٍ صعبة في البداية، ولكنهم استطاعوا بإيجابيتهم من التغلب عليها وعندما مرت الأزمة الاقتصادية قبل سنوات أرسل الكاتب للعالم رسائل بالأفعال دون الأقوال، فاطمأن الناس إلى حسن إدارتنا للأمور، ويذكر بأنه عندما رأى الشيخ راشد بن سعيد قدوة الكاتب أن مشاريع الإسكان والبنية التحتية تغرق من خلال مراسلات الوزارات المعنية في هذا الروتين الذي أدى إلى تأخير هذه المشاريع تولى الشيخ راشد بنفسه متابعة تنفيذ هذه المشاريع.

وهنا ينظر الكاتب بعين الرضا إلى تصرف والده ومتابعته حيث يراه صباحاً في الساعة السابعة في مكان من مشاريعه وبعد يومين يراه في مكان آخر في نفس التوقيت، وهكذا هو في شغل دائم وحركة مستمرة، يضرب في ذلك القدوة فيمن حوله من وزراء وغيرهم، ومن باب أولى أن يكون القائد قدوة فإن الشيخ محمد يدفع فواتيره كلها ومخالفات سياراته ووضع بطاقة سالك لذلك الغرض.. ينظر الشيخ محمد إلى تنظيم قطاع الخدمات في الدوائر والمؤسسات والوزارات بما يرفع من قدرة هذه المراكز على أداء عملها في مقابلة الجمهور بأريحية وسرعة وتفاعل حتى جعلوا من نقاط التقييم الابتسامة على شفة الموظف ومن ثم رفع هذه النقاط ضمن البرنامج الوطني للسعادة إلى تحويل مراكز الخدمة الحكومية إلى مراكز لسعادة المتعاملين.. ولا يقتنع الشيخ محمد بهذه الابتسامة المرسومة على شفاه الموظف ما لم تكن نابعة من داخله صادقة في أحاسيسها وتعبيراتها، إذ لا بد أن تكون كما يقول عن قناعة، وليس عن طريق لوائح تنفيذية يحدوه في ذلك تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول (تبسّمك في وجه أخيك صدقة) وتأثير الابتسامة الإيجابي على الموظف أكثر من تأثيرها على غيره، والابتسامة كما يذكر من مفاتيح السعادة، وهي لغة عالمية يفهمها كل البشر، وعنده أن الابتسامة في الإمارات جزء من تكويننا وهويتنا وطريقة تعاملنا مع الناس.. ويذكر الشيخ محمد قصة واقعية ذات تأثير إيجابي وهو أن سائحاً سويدياً ارتكب مخالفة مرور بسيطة فأوقفه شرطي المرور وابتسم له وأفهمه مخالفته وأعطاه هدية بسيطة فأثر هذا الموقف في السائح تأثيراً كبيراً وقرر نقل استثماراته وشركاته من الخارج إلى دبي، تم كل ذلك بفعل شرطي واحد.

فائدة وإيجابية

حتى في الأزمات يرى الشيخ محمد أنها ذات فائدة وإيجابية على الشخص والمجتمع، فنظرة الإنسان الإيجابي للأزمة بعكس نظرة الإنسان السلبي، وبالتالي يرى أن في الأزمات فرصة ومع كل محنة منحة وأنها مجال للإبداع واختبار الغايات، ويضرب مثلاً بتجارة اللؤلؤ الذي تعرض للانهيار بسبب ظهور اللؤلؤ الصناعي وفقد الناس وظائفهم وتأثر اقتصاد دبي تأثراً كبيراً في تلك السنوات، حينها بدأ بزوغ نجم راشد بن سعيد الشاب الحاكم الذي وجه نحو الاتجاه للتجارة والعمل في سفن الأسفار ونقل البضائع، وبذلك بدأت مرحلة جديدة من تعويض الخسائر واستبدال وجه جديد من البحث عن الرزق والتجارة فيه، وذلك ما رسخ وضع دبي التجاري وثبت أقدامها فيه ونمت وتوسعت تجارتها ولا تزال تفيد من تلك المعطيات في يومها الحاضر.. وعند الشيخ محمد أن القائد لا ينتظر الفرصة بل يسعى إليها ولا يؤمن بالحظ بل يصنعه ويتطرق إلى صعوبة التحديات التي واجهت الشيخ راشد في إنشائه مطار دبي الذي أراده بأن يكون أحد جناحي دعم التجارة في دبي وماطله المعتمد البريطاني كثيراً في ذلك فاضطر إلى السفر إلى بريطانيا للحصول على الموافقة من الحكومة البريطانية التي وافقت على ذلك الأمر، وبدأ الشيخ راشد التنفيذ حيث لم يمر سوى عام إلا وكان المطار مكتملاً في مايو 1960م وهذا ما يريك مدى تعامل الشيخ راشد مع هذه التحديات والأزمات، فلم تفتر همته بعد إنشاء المطار، وإنما أنشأ مدرجاً معبداً من الإسفلت تم الانتهاء منه في عام 1965م وما تلاه من بناء مطار جديد وتوسعات فيه حتى أكمل عقد الطيران في دبي.

وتحت عنوان الحكومة الإيجابية سعادة للمجتمعات

يحكي الكاتب عن مشاركته في القمة الحكومية وإجابته عن عديد من الأسئلة، وبعدها التقى مع أحد الدبلوماسيين وكان لديه تساؤل عن الإيجابية في عمل الحكومات، حيث أن لدى الحكومات إجراءات تتسم بالعملية والحيادية تقيس بها أداء مهماتها وتطور سياستها إلى غير ذلك من الأمور وليس من بينها مجال للمشاعر أو المفاهيم النفسية مثل الإيجابية والتفاؤل ويوافقه الشيخ محمد في شيء مما ذهب إليه في حديثه عن ذلك، لكن الحكومة كما يقول بها بشر وتعمل من أجل تطوير حياة البشر وهدفها إسعاد هؤلاء البشر، وبالتالي لا بد من مراعاة الكثير من الأمور التي تكون خارج نطاق الإجراءات واللوائح التنفيذية ليكون الأمر متوازناً وعنده كما يذكر بأن الحكومة الإيجابية لا ترى في صياغة القانون والتشريعات هدفاً بل وسيلة لإسعاد الناس وتحقيق مصالحهم.. وهدف الكاتب أسمى وأعلى من مجرد صياغة تحكم سلوك البشر، وأنه جاء على أفضل الممارسات بل هدفه أن يكون في تسهيل الحياة.. والخطط لدى الشيخ محمد قابلة للتغيير والتطوير، فلما أطلق مبادرة ووصفها بالضخمة لتغيير الخدمات إلى خدمات إلكترونية وقبل أن يتم التوسع في هذا الأمر تطورت شؤون التكنولوجيا، وأصبحت التليفونات محور هذه الخدمات، فلم ينتظر الشيخ محمد حتى يكتمل تطوير الخدمات الإلكترونية، وإنما غيّر مساره وأطلق على الفور مشروع الحكومة الذكية التي تعتمد على تلبية الخدمات عن طريق الهاتف النقال، وعلى الرغم من عدم سهولة التغيير لأي حكومة، لكن ضرورة التغيير جعلت من الشيخ محمد مبادراً في ذلك مواكبة للمتغيرات في حياة الناس وتسهيلها فقراءة المستقبل من قبل الشيخ محمد قراءة صحيحة هي التي جعلته يقدم على مسألة التغيير هذه.

ومن التحديات التي تواجه دولة الإمارات كما يذهب الكاتب مسألة توفير الطاقة، مما تتطلبه النهضة العمرانية المتسارعة، حيث توجهت الدولة إلى توفير الطاقة الشمسية وإنتاج الطاقة من المخلفات ومشاريع الطاقة النووية ومشاريع مزيج الطاقة وكانت الخطط أن يكون شارع الشيخ زايد حارتين فأمرهم بأن يكون ست حارات فتغيرت الخطط وتغير التفكير معها وأصبح شارع الشيخ زايد اليوم معلماً وأهم شارع عربياً وعالمياً.. وهذا ما حدث في مسألة توسعة مطار دبي، إذ جاءه المسؤولون بمشاريع توسعية ضخمة للمطار فاعتمدها، لكنه طلب منهم البدء في إنشاء مشروع جديد أضخم من سابقه فجاءه المخططون بتخطيط مطار آل مكتوم، حيث قال لهم كما يذكر (لا نريد إنشاء مطارات في دبي إنما نريد من دبي أن تكون مطاراً للعالم) وهذا ما يفسر إيجابية الشيخ محمد.

وفي عنوان من أهم العناوين (شكراً لكم أيها الشعب) ينقل الكاتب كلمة للشيخ زايد، رحمه الله، كثيراً ما كان يرددها وهي شكر الشعب في كثير من لقاءاته ومحافله رغم أنه هو الذي يستحق الشكر على ما قدمه لشعبه ودولته كان يسبق الناس ويبادر إلى شكرهم.. ويحاول الشيخ محمد أن يجد تفسيراً لشكر زايد للناس فلا يجد تفسيراً محدداً لذلك، إلا أن يكون الشكر والقيادة أمرين متلازمين مع بعضهما فليس في ذهن الشيخ محمد قائد لا يشكر شعبه، فقد جاء في الحديث (لا يشكر الله من لا يشكر الناس).. لذلك فالكاتب يولي شكره خاصة شكر القائد أهمية كبيرة وليس ذلك عنده راجع إلى صفات وأخلاق المسؤول، بل يجب أن يكون عملية مؤسسية واضحة لها إجراءاتها ومقاييسها والقائد الذي لا يمارس الشكر قائد فقد الثقة في نفسه.. ويهتم الكاتب بتأصيل مبدأ الشكر وجعله ضرورة لتطوير العمل وتحفيز بيئته على التطور وأراني مدفوعاً بحلو ما أقرأه من الكلام وحسن معانيه إلى أن أحث القارئ إلى التمعن فيه.

زار أحد المسؤولين الغربيين الكاتب وتطرق الحديث بينهما إلى ما يواجه المنطقة من خطر الإرهاب وموقف دولة الإمارات الثابت من هذه القضية وذكر الكاتب له، أن الأخطر من ذلك ما يحمله المستقبل من فكر هذه الطائفة الذي بدأ ينتشر في صفوف الشباب، وعندنا كما يذكر الكاتب 200 مليون شاب هم أمام خيارين إما فقد الأمل لحياة أفضل ووقوعهم فريسة لهذا الفكر أو أن يكونوا شباباً إيجابيين يغيرون العالم بأسره.. وللكاتب في هذا المجال كلمة جميلة ودقيقة.. ورغم نظرة التشاؤم التي تسود بعض القطاعات والمثقفين في العالم العربي من وضع هذا العالم بعكس الشيخ محمد، الذي ينظر إلى المسألة نظرة تفاؤل معتمداً على إحصاءات رقمية تشير إلى زيادة المتعلمين في الوطن العربي، وزيادة ناتجه الإجمالي وارتفاع دخل الفرد فيه وانتهاء بعض الأمراض من ساحته كالملاريا وشلل الأطفال وغيره من الأمراض الوبائية وتحرر كل الدول العربية من ربقة الاستعمار وسهولة التنقل بين البلدان العربية كل ذلك ما دعى إلى هذه النظرة الإيجابية، فأجداد هؤلاء البشر كما يقول صنعوا حضارة تحدث عنها التاريخ، لكنهم كما يشير بأن الأزمة الحالية تكمن في كونها أزمة إدارية فقط، ويلقي باللائمة قبل الشعوب على القادة كقوله بأن هناك قادة أخذوا شعوبهم للفضاء وقادة أرجعوا شعوبهم 50 سنة للوراء.. ويسيطر على الكاتب هم التفاؤل بالشباب والشعوب العربية وأنهم قادرون على النهوض ثانية.. وينظر معجباً بسياسة منديلا عندما خرج من السجن، إذ لم ينصب أعواد المشانق لأعدائه، بل دعا إلى الوحدة والوئام وبناء المستقبل، كما هو معجب بذات الطريقة بالزعيم الهندي غاندي الذي دعا إلى مقاومة الاستعمار بطريقة سلمية.

يتذكر الشيخ محمد مجلس والده، الذي رسم في مخيلته منذ صغره بشكله ورواده ومناقشاته، كان يضم في رحابه المواطنين والمقيمين وبابه مفتوح للداخلين دون تمييز، ولا حجاب ولكل واحد نفس الفرصة المتاحة لغيره في الحديث مع راشد، ويضم هذا المجلس الخليط المتنوع من البشر على قدر المساواه والفرصة والاحترام والمشاركة بالرأي والحديث.. وبعد الاتحاد زادت صلة الشيخ محمد بالشيخ زايد وتقوت أواصر الصلة به، ونشأت بينهما علاقة الأب بابنه والطالب ومعلمه وحضر مجلسه وعرف أخلاقه وتصرفاته مع الناس، إذ لم يكن مجلسه يختلف عن مجلس أبيه من حيث القادمين إليه الذين شملهم بحبه ومودته.. وللشيخ محمد كلمة رائعة تسجل بماء الذهب، وهو أنه حين يسافر للخارج لا يفاخر بمظاهر التميز في دولته من عمارات وشوارع وأسواق، وإنما يفخر بتسامحها وعدم التمييز فيها بين البشر وتلك حقيقة تلفت نظر الناس.. تحدث الشيخ محمد حديثاً جميلاً عن التسامح وعدم الفرقة بين البشر بحسب فئاتهم وجنسياتهم وأن ذلك جزء من أخلاق زايد وتصرفاته أورثها لأبنائه، مما مكن الشيخ خليفة بن زايد، حفظه الله، رئيس الدولة بأن يصدر قانون مكافحة التمييز والكراهية.

وتحت عنوان الأسرة الإيجابية تحدث الكاتب حديثاً رقيقاً جميلاً ومدى دورها في بناء مجتمع متماسك يقول: قد يستغرب البعض من إقحام هذا الموضوع في الحديث عن الدروس القيادية، لكنه يؤكد أن بناء الأسرة مهم يؤدي في نتيجته لبناء مجتمع متماسك قوي بل يذهب إلى أبعد من ذلك لأن بناء الأمة يبدأ من بناء الأسرة، ومن الأم بالذات ويلقي على الأم مسؤولية عظيمة في تربية أبنائها وإشاعة الدفء والمحبة بين أفرادها ولا يتخيل الكاتب قادة عظماء من دون أمهات عظيمات، ويحكي قصة هادفة عن تصرف أمه، رحمها الله، معه حين كانت تعد له وجبة الإفطار لكنه عندما يعود من المدرسة كان يعود جائعاً ولما سألته عن سبب ذلك أجاب بأنه يتقاسم الوجبة مع فرسه، لم تعنفه أو تسمعه كلاماً شديداً، وإنما أعدت له وجبتين كل صباح وهذا ما ينبئ عن دور الأم في تربية وتثقيف ولدها وغرس محاسن السلوك في وجدانه، ويسترسل الكاتب في حكايته عن هذه الأم الرؤوم كيف كانت تتابع وضوءه للصلاة وتطلب منه أن يسبغه على أعضائه كاملاً وكيف سار على نهجها في ذلك، واستمر محافظاً على صلاته حتى اليوم.. فالأم في عرف الكاتب المدرسة الأولى والدرس الأول والحب الأول ويصف دورها بأنه أعظم دور في التاريخ، لأن عظماء القادة كانوا من صنع يديها وكل مشروع عنده يبدأ وينتهي في أمد محدد له إلا مشاريع الأمهات، فإنها تستمر العمر كله ويثني على دور الأم وعاطفتها تجاه أسرتها بكلام جميل ثمين هادف، أدعو القرّاء إلى قراءة هذا الفصل بتمعن وتفكير في محتوياته، لأنه من ثمين المعنى وجميل الكلام يستحق أن يقرأ بشيء كبير من التفاعل والاهتمام.

ويحكي الكاتب عن قصته مع المرأة التي أساء إليها ولدها وجاءت إليه تشتكي تصرفه معها، إذ طردها من البيت فلما ثارت عاطفة الغضب في نفس الشيخ محمد وأمر من يأتي به إليه ليعاقبه على فعلته تحركت نازعة الأمومة في قلبها وبدأت تستعطف وتسترق قلبه بأن يتركه بدون عقاب، حيث قدر لها الشاعر هذا الموقف الإنساني العظيم، وسجله في قصيدته الرائعة بكل المقاييس، وقد دُرست هذه القصيدة في وقتها دراسة مستفيضة تجلي خصائصها وتبين عن مزايا الشعر فيها حين يكون معبراً عن قضايانا الإنسانية، وأعد القراء بنشرها لأنها تستحق أن يكتب وينشر عنها.. إلى غير ذلك مما ورد في هذا الفصل من حديث رائع عن الأم والأسرة والحب الصافي الذي يحمله قلب الأم ومدى دورها في التربية وبناء المجتمعات، حيث يتضاءل أي دور آخر أمام عظم مسؤولياتها ثم يربط الكاتب سلك هذا الحديث باستنتاج هادف وهو حديثه عن مدى ترابط الأسر في الإمارات وتعاضدهم حتى كما يقول في أنهم يحرصون في سياسات الحكومة الإسكانية أن تسكن الأسر قريباً من بعضها تأكيداً لمعنى الترابط والتلاحم.. وأعتقد أن هذا الفصل من أهم فصول الكتاب وأقربه إلى نفس القارئ، لأنه ينبع من عاطفة مشتركة بين جميع الناس وعلى مبدأ لا يختلف عليه اثنان وهو الأم وقدسيتها في الحياة ودورها في البناء الأسري والمجتمعي والحكومي وينزعج الكاتب إنزعاجاً كبيراً مما يسمعه عن بعض الأسر المتفككة التى أهمل الآباء والأمهات فيها دورهم وأهملوا أسرهم ويسدي نصيحته للأب المشغول والأم المشغولة عن تربية أبنائهم بأن يهتموا بأسرتهم لأنها كل شيء في الحياة، وأن أموال الدينا لا تكفي ولا تعوض حنان الأبوين ومحبة الأبناء ودفء الأسرة ويحذرهما مما يمكن أن يدفعانه نظير إهمالهما.

الهيكل الحكومي

وفي عنوان عن التغيير الذي حدث في الهيكل الحكومي بتعيين وزير للتسامح وللسعادة وللمستقبل وللشباب، وما أحدثه ذلك من ضجة في المجتمع بين راضٍ ومعجب ومستغرب وثالث قارنه ببناء أطول برج وأكبر جزيرة.. والكاتب يبين للقرّاء بما تعلمه من أحداث المنطقة وما مرت به من ظروف وما حباهم الله من حاسة استشراف المستقبل وما قامت به الحكومة من جهود في هذا الشأن فإن عدم الاستجابة لتطلعات الشباب يؤدئ إلى نتائج عكسية وبداية انهيار منظومة التنمية والاستقرار وأن الدرس الذي تعلمه الكاتب هو أن الحكومات التي همشت دور الشباب، إنما سدت أبواب الأمل لشعوب كاملة وفي تحليله بأن ما يسمّى بالربيع العربي إنما كان نتيجة لأسباب تتعلق بعدم إتاحة الفرصة للشباب لممارسة دورهم بعكس دولة الإمارات التي أتاحت الفرصة كاملة للشباب واستثمرت فيهم بتعيين هؤلاء الوزراء من الشباب واستحداث وزارات تعكس تطلعاتهم وأهم ما يركز عليه الكاتب هو مبدأ التسامح وتخصيص وزارة بهذا الاسم والدعوة لممارسة هذا التسامح واعتباره جزءاً من تنظيمنا وتصرفاتنا الحياتية والبعد عن أسباب الكراهية وعدم القبول بأي شكل من أشكالها ضد أي شخص أو فئة أو جهة وأن تاريخ الأمة الإسلامي ناصع البياض في هذا الشأن في بغداد ودمشق والأندلس، حيث كانت منارات إشعاع فكري وثقافي أدت إلى بناء حضارة متسامحة يعيش فيها مختلف الجنسيات والفئات وجاءت الأحداث المؤسفة الخطيرة لتبين بأنه لا يمكن للأمة أن تبني نفسها وحضارتها إلا من خلال مبدأ التسامح والتعددية والقبول بالآخر كخيار حتمي لا محيد عنه.

وفي عرف الكاتب أن التسامح ليس كلمة تطلق وتتبخر في الهواء، وإنما أوجدت لها معايير ودراسات باعتبارها مسلكاً حضارياً.. ويمتاز الكاتب بالتواضع حيث يذكر أن دولة الإمارات تتعلم كل يوم وكل ما تتعلمه تأخذ به قرارات منظمة والأهم من ذلك كما يذكر وهذا ما يلفت النظر أن استفادته لا تنحصر في التاريخ فقط، وإنما هو يتعلم من المستقبل وتلك خصلة متميزة بأن تكون عين القائد على المستقبل يتعلم من استشرافه له وأنه مغرم بذلك بما يحمله المستقبل من متغيرات عظيمة ولا يذكر ذلك من باب التفاخر، لكنه يرسل رسائل لمن حوله بأن التغيير يجب أن يتم عن طريق تصوراتنا لا تصورات غيرنا وبأيدينا لا بأيدي غيرنا وإن ذلك هو ما دعاه إلى التغيير الذي يؤكد استمراريته والتمسك بمبدأه.

أخي القارئ.. أرجو أن أكون قد وفقت في استعراض مادة هذا الكتاب المتميز والجميل في آن واحد، بحيث يجعلك هذا التلخيص والاستعراض تأخذ فكرة شاملة عما ورد فيه من موضوعات، ومشجعاً لك على إقتنائه وقراءته فتلك غايتي من هذه القراءة، التي أرجو أن تكون قد غطت معظم ما ورد في الكتاب من أحاديث.

المصدر: الخليج