كاتب سعودي
لعل المفرح في المشهد السعودي أنه ومنذ تولي الملك سلمان عرش البلاد العام 2015، ورئاسة الأمير محمد بن سلمان مجلس الشؤون الاقتصادية، أننا أمام مشروع نهضوي حقيقي مشابه لمشاريع سبقتنا بمئات السنين، يدفعه نحو التحقق تحول دراماتيكي عميق داخل البلاد، سريع وجاد ويتم عن قصد ورؤية واضحة.
هناك مشاريع كبرى يطرحها الأمير محمد ضمن رؤيته للمملكة تتسابق في الوقت نفسه لتجهيز البلد لـ2020، 2030، وتقوم كلها على الإنسان، ولعلنا نتذكر هنا أن اليابان على سبيل المثال تمكنت من النهضة بعد أن اقتنعت بأن طريقها يكمن في الإنسان الياباني نفسه دون غيره.
ولذلك نرى أن مشروع «الأمير» في كل تفاصيله وقيمه وأدبياته المنشورة منذ برنامج التحول وحتى الرؤية، يدور حول «البشر» والتأني في بناء «الحجر».
هذا المشروع يحظى بمتفائلين ومتشائمين، ولعلنا نتحدث هنا أكثر عن المتفائلين، الذين انخرطوا مبكرا في دعمه والعمل فيه منذ بداياته، فهم يرون أنه كان من المحتم على «السعودية» إعادة هيكلة بنيتها الاجتماعية واقتصادها «الريعي» ورؤيتها الفكرية دون تأخير قد يشكل خطرا وجوديا عليها.
لماذا من المحتم..
المملكة تجاوز عمر دولتها الثالثة 116 عاما، ولذلك أصبح لزاما عليها بناء مشروعها الخاص للمئة سنة القادمة، مشروع لا يستنسخ الماضي ولا يكرره، بل يبني على ملامحه الأصيلة وينطلق نحو العالم.
المتفائلون يجزمون أننا سنحقق خلال عامين على الأكثر ما لم نحققه في عقود، وأننا سنشهد قفزة اقتصادية واجتماعية هائلة ستكون هي الرافعة التي ستحمل المملكة الجديدة نحو آفاق غير مسبوقة، ويؤمنون أن البقاء على النمط الاقتصادي والاجتماعي القديم سيجعلها مكبلة في عصر طوفان تكنولوجي ومعلوماتي اخترق كل شيء ولا مجال للتصدي له إلا بنهضة مختلفة، ودليلهم أن المملكة اتخذت خطوات متنوعة اقتصاديا واجتماعيا، إلا أنها كانت متحفظة ولم ترغب في تغيير جذري، ولذلك كله كانت تلامس حدود التغيير ثم تعود أدراجها دون أن تحقق المراد منها.
المتشائمون في نظري نوعان؛ الأول حسن النية إلا أنه متردد تعود على نمط معين من الحياة التي عشناها عندما كان عدد سكان المملكة لا يتجاوز الخمسة ملايين نسمة يرافقها حياة بسيطة ومداخيل عالية، وعند حدوث أي هوة يتم ردمها بالمال دون أن يلاحظ أحد ذلك، ومازالوا يحلمون أن نعيشها رغم أن الثوب ضاق والعمر انصرم.
الثاني رافض من حيث المبدأ ولديه أسبابه «المصلحية والأنانية»، فمن كان يحصل أموالا سهلة من خلال التستر أو العطايا أو المزايا يريد أن يبقى الوضع كما كان عليه يغرف من الأموال بلا حساب دون أن يعيد تدويرها أو تلقيمها للمجتمع، ومن كان يحصل على الحظوة وفقدها سيبقى حائرا يعيش حالة الصدمة، متمنيا أن يكون في حالة حلم سيزول ليعود لأيامه الخوالي، ومن اشترى ملايين الأمتار من الأراضي بسعر ريالات وكان يبيعها بالآلاف سيبقى يحمل ذكريات الغنى السهل بلا عمل ولا استثمار.
بالطبع هناك فريق ثالث لديه نظرية أخرى، يؤمن بالتغيير والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، لكنه يختلف مع درجة الحركة واستبدال المخاطر، فعلى سبيل المثال يرى أن الاقتراض الخارجي خير من الداخلي، لأنه يوفر السيولة ويتيح للبنوك التوسع في الإقراض للشركات، وبالتالي تنعكس إيجابا على الاستثمار، يراهن أيضا على أن ضخ السيولة في البنى التحتية سيعطي ثمارا أسرع من انتظار توازن «السوق» دون تدخل عميق، يتمنى أن لا تتخلى الدولة عن الاقتصاد الريعي سريعا، وأن تمدد فترة احتظانها حتى يتمكن الاقتصاد من استيعاب الصدمة ويستعيد حركته.
المهم هنا أن المتشائمين يقلون يوماً بعد يوم، وفي المقابل يتزايد عدد المنخرطين في «حزب المتفائلين»، فأي مشروع إصلاحي حقيقي يحتاج إلى الإرادة والرؤية الواضحة وخطة عمل وقياس للنتائج والمراجعة الدورية وتعديل المسار متى ما اقتضت الضرورة ذلك، وهي موجودة لدى القيادة السعودية، الأمر الذي يعظم فرص النجاح.
المصدر: عكاظ