محمد الساعد
محمد الساعد
كاتب سعودي

أحمد جبريل.. مكينة القتل الفلسطينية !

آراء

عندما اقتسمت الأنظمة العربية الثورية قضية فلسطين وحاول البعث والناصرية احتكارها لصالحهم، وظفت قياداتها الثورية لخدمة أولوياتهم وخصوماتهم مع بقية الحكومات العربية، وبنوا من خلالهم خطابا فلكلوريا ثوريا لإزاحة التهم عنهم بالتخاذل والتقصير ورميها على الأنظمة المتوازنة والعاقلة وعلى رأسها السعودية.

هنا برز اسم أحمد جبريل القائد العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، الذي تصدر المشهد الفلسطيني لعقود طويلة، ليس لأنه الأبرز؛ بل لأنه الأسوأ فيهم جميعا، فهو أقرب ما يكون آلة قتل جماعية لا هم لها إلا حصد الأرواح.

في أحد اللقاءات الفلسطينية، يظهر تسجيل قام به زعيم حماس في غزة «يحيى السنوار» وهو يتحدث بجانب أحمد جبريل، ويقول ما نصه: «لقد تعلمنا منك النضال وكنت أنت الملهم لنا في العمليات العسكرية».

هل نسي السنوار أن جبريل كان يقصف المخيمات الفلسطينية بجانب السوريين لإخراج مقاتلي التنظيمات من لبنان، وشارك الأسد في قتلهم خلال ثورة «الخريف العربي»، ربما يتغافل الحمساويون عمدا عن جبهة جبريل التي قصفت الأطفال والنساء وحصدتهم أثناء فترات الحصار في الحربين السورية واللبنانية، فهم أيضا فعلوا الأفاعيل في غزة، عندما انقلبوا على فتح ورموا مخالفيهم من فوق الأسطح وسحلوهم في الشوارع.

هكذا يُقيم الفلسطينيون بعضهم البعض، وهكذا يغفرون لأنفسهم كل الخطايا، فلا لوم ولا تجريم، بالرغم من كون جبريل هو المقصلة التي نزفت عندها أجساد الفلسطينيين، ولم تكن عملياته العسكرية ضد إسرائيل إلا تكتيكات يستفيد منها السياسي السوري لا أكثر ولا أقل، وعندما تختنق الجبهة السورية أو تريد القيادة في دمشق معاقبة أو فتح قنوات للحديث مع أي طرف تأمر جبريل بالقيام بالعمليات القذرة.

أحمد جبريل كان يرى فلسطين بعيون البعث السوري، وعلى وجه الدقة بعيون بيت الأسد، فقد كان خادمهم المطيع وسلاحهم الأمضى، ولم تكن فلسطين بالنسبة له كما بقية القيادات الفلسطينية إلا تكية ومشروع رابح للزعامة والمال.

لقد قتلت الجبهة الشعبية التي يرأسها جبريل من الفلسطينيين خلال الحروب الأهلية التي شاركت بها في لبنان وسوريا أكثر مما قتله الإسرائيليون أنفسهم منذ 48 وحتى اليوم، وجبريل ليس استثناء، فكل التنظيمات دخلت في حروب بينية حصدت فيها عشرات الآلاف من أرواح أبناء جلدتهم الفلسطينيين، إلا أن أحمد جبريل كان في نهاية الأمر يقود مليشيا سورية تحت اسم فلسطين لتأديب الفصائل الفلسطينية، وتنفيذ القتل والتعذيب فيها.

المثير للأسئلة في مسيرة أحمد جبريل أنه تحالف وشارك مع كل من خاض حربا ضد أبناء جلدته، ففي السبعينات والثمانينات، تحالف مع السوريين وقاتل عرفات ورفاقه وحاصر المخيمات، ونفذ مع المسيحيين مذابح قاسية، وفي الثمانينات انضم لحركة أمل الشيعية في حرب المخيمات، وكذلك دعم السوريين في خطتهم لإخراج عرفات 1983 عندما حاول العودة من النافذة إلى لبنان بعدما طرد منها قبل عام.

أسس أحمد جبريل تنظيمه العسكري قبل فتح وحتى قبل أن يشتهر ويُعرف ياسر عرفات، لكنه لم يكن برجماتيا مثل عرفات، وبقي أمينا على عقيدة الولاء المطلق للنظام السوري، لا يتحرك إلا عندما يرمش حافظ الأسد ومن بعده بشار، ولا يخرج سلاحه من جرابه إلا بعد توجيه المخابرات السورية، بينما كان عرفات راقصا مجيدا على حبال السياسة، يتحرك في علاقاته وخصوماته وتفاهماته من يمين عبد الناصر إلى يسار صدام، مغتنما كل الفرص وخائضا كل المعارك بقفاز من حرير تارة، وببنادق الآخرين تارة أخرى.

السؤال المهم.. هل كان أحمد جبريل وجبهته الشعبية إضافة للقضية الفلسطينية، أم عبئا عليها، الجواب صعب، لكن من الممكن فهمه إذا وضعنا كل الفصائل أمام نفس السؤال.

لقد كان جبريل ورفاقه وتنظيماتهم المسلحة والسياسية عبئا على قضيتها الأم استنزفوها وتاجروا بها حتى أصبحت جثة هامدة، وارتكبوا في طريق النضال المزور من الخطايا ما لا يغتفر، وصدق الأمير بندر بن سلطان عندما وصفهم «فلسطين قضية حق، محاميها فاشل».

المصدر: عكاظ