كاتب سعودي
من الواضح أن الملك سلمان بن عبدالعزيز يعمل بحزم وعزم لافتين على نقل المملكة العربية السعودية من المرحلة الثالثة إلى المرحلة الرابعة في الدولة السعودية الثالثة.
بدأت المرحلة الأولى بدخول الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل رحمه الله ورفقاء التأسيس والتوحيد مدينة الرياض عام 1902 واستمرت قرابة الثلاثين عاماً. وكانت فترة عسكرية بامتياز، إذ كان المطلوب من كل سعودي حينها، مدنياً كان أم مجنداً، أن يشارك بما يستطيعه في المجهود الحربي الرامي إلى استعادة الأمن في الجزيرة العربية وتوحيد أقاليمها وأطرافها ومكوناتها البشرية تحت علم واحد. شُدت الأحزمة على البطون في تلك الفترة، ووضع الناس آمالهم وأمنياتهم في «مؤجلات الغيب» لحين تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في استعادة الدولة من يد الفوضى والانفلات الأمني.
ثم جاءت المرحلة الثانية بعد اكتمال التوحيد في قلب الملك المؤسس وإعلان اسم المملكة العربية السعودية عام 1932، وتميزت بوضع الأسس المتينة للدولة، وبناء الكيانات السياسية والاقتصادية والخدمية الرئيسة التي ضمنت آنذاك الحد الأدنى من المعيشة الكريمة لمواطني المملكة.
وفي العام 1953 بدأ عهد جديد بتسلم الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله مقاليد الحكم بعد وفــــاة أبيه. انتــــــــقل الحكم في هذه المرحلة في شكل رأسي من الأب المؤســـس إلى الابن، وخلال أكثر من ستين عاماً سار الحكم في خط أفقي بين الإخوة أبناء الملك عبدالعزيز في سلام تام، وترافق ذلك مع تكـــوين دولة سعودية حديثة استطاعت أن تستثمر حكمة ملوكها ورؤيتهم السياسية الواسعة في بسط الاستقرار السياسي في مناطقها كافة، الأمر الذي ساهم في بناء جدار اقتصادي قوي، استندت إليه الدولة بكل ثبات طوال العقود الماضية على رغم التحولات الكثيرة والأزمات المتعددة التي كانت تضرب العالم.
كان الجيران الأغنياء في منطقة الشرق الأوسط في نهاية المرحلة السعودية الثانية وبداية المرحلة الثالثة يجربون الطرق المثلى للحكم في بلدانهم بعد أن رفع المستعمر الأجنبي يد العناية عنهم. وكانوا في كل مرة يفشلون في موازنة واجبات الحكم مع رغبة الشعوب. راحت النخب السياسية المختلفة هناك تدخل في نموذج وتخرج من نموذج، حتى سقطت في النهاية في النموذج الذي يضع كل مقدرات هذه الدول في يد النخبة الحاكمة، ويبقي شعوبها على الدوام في حال ممانعة سياسية بلا طائل، ومقاومة خطر متوهم يبقيها على الدوام أسيرة له وخاضعة لظواهره!
الدول الغنية في الإقليم ازدادت فقراً والسعودية والدول الخليجية ازدادت غنى، وصار حلم مواطن الدول التقدمية أن يعمل في الدول الرجعية (هكذا كان الإعلام الثوري العربي يصنف دول المنطقة) كي يؤمّن العيش الكريم له ولأسرته.
كان وجه المرحلة الأولى عسكرياً خالصاً بسحنة ثورية تحررية مثلما ذكرت في أول المقالة، ثم جاءت المرحلة الثانية بنظرية الحكم وبناءاتها الفلسفية، أما المرحلة الثالثة فكانت تطبيقاً عملياً لما خطّه السعوديون الأوائل، إذ توسعت الأعمال وتعاظم الاقتصاد وازدهرت مفاهيم الحكم داخلياً وخارجياً.
واليوم يضع الملك الحازم سلمان بن عبدالعزيز أول لبنة في طريق المرحلة الرابعة، إذ يعود الحكم للانتقال رأسياً إلى أحفاد الملك عبدالعزيز. وبما أن لكل مرحلة شكلها وشخصيتها، فإن الشعب السعودي الذي ينظر بكل الاحترام والتقدير لرموز المراحل الثلاث الماضية، ويعتز كثيراً برؤية الأسرة السعودية الحاكمة التي جنّبت البلاد ما سقط فيه الجيران الأغنياء، ليتمنوا أن تكون هذه المرحلة بوابة لسعودية جــــــــديدة يجد فيها المواطنون مبتغاهم سياسياً واقتصادياً واجـــتماعياً تحت ظل ورعاية الملكية السعودية.
اليوم يسير الوطن واثقاً باتجاه المستقبل ورافعاً رأسه. يسير واضعاً نصب عينيه رفاهية مواطنيه وأمنهم داخلياً وخارجياً. اليوم تتبدى المرحلة الرابعة على يدي الملك الحازم كشمس لا تغادر مشرقها. وكمواطن سعودي يحلم دائماً بالأفضل والأجمل لوطنه، فإنني أتمنى أن تتزين هذه المرحلة بأمرين:
أولهما انتخاب مجلس شورى مباشرة من المواطنين على نظام «قوائم التكنوقراط» كما أشرت إلى ذلك في مقالة سابقة، بحيث ينتخب الطبيب من يريد أن يمثله من نخبته ودائرته التخصصية، ويختار المدرس ممثله في المجلس من ذوي الاختصاص في العملية التعليمية، ويختار الاقتصادي من يمثله من ذوي الاختصاص نفسه. ويذهب الرياضيون ليختاروا ممثليهم من دائرة اختصاصهم نفسها… وهكذا. أتمنى أن يكون أعضاء مجلس الشورى الجديد منتخبين بالكامل من دوائر متخصصة، في عملية انتخابية يقوم بها ناخبون متخصصون! هذه الطريقة المبسطة ستضمن ألا يأتي للمجلس غير المتخصص، وتضمن في الوقت نفسه تكتل المواطنين الناخبين في كتل مهنية تخصصية لا قبلية أو جهوية أو أيديولوجية.
وثانيهما شمول المناصب الكبيرة والتنفيذية في الحكومة لكل طوائف الشعب ومكوناته، بحيث يكون للإدارة التنفيذية في السعودية ظل في كل شبر من هذا البلد. في الدول الديموقراطية يكون الحزب الحاكم الحكومة وأعضاء الجهاز التنفيذي من المنتمين إليه، بحكم أن غالبية الشعب وضعت ثقتها بالحزب الفائز لتشكيل الإدارة. وفي السعودية، حيث الملكية المتفق عليها، يشكل الملك الحكومة والإدارة التنفيذية من فئات الشعب كافة، كون الشعب بمكوناته وأطيافه كافة وضع ثقته بالملك وولي عهده وولي ولي عهده، وبايع النخبة الملكية الحاكمة من غير قيد أو شرط. طبيعة المناصب في المستوى الأول من الإدارة التنفيذية، سياسي بالدرجة الأولى، وبالتالي فإن التعيين عليها خاضع في العادة للولاءات الحزبية كما في الدول الديموقراطية، والشعبية العريضة كما في الملكية السعودية المعتدلة. وأما إن أريد أن تكون الوظائف الرئيسة حصراً على التكنوقراط، فالبلد مليء بالكفاءات على امتداد خريطته.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdullah-nasser-Al-Othiabi