منصور النقيدان
منصور النقيدان
كاتب و باحث سعودي

السعوديون يسألون أنفسهم

آراء

هذه اللحظة عصيبة علينا نحن السعوديين، فنحن أمام تحدٍّ حقيقي لحماية سلمنا ولُحمتنا. المطالبات التي أكدها كثير من الكتاب والمثقفين والحقوقيين السعوديين بتشريع يجرم التحريض والاستعداء المذهبي، وكل دعاوى العنصرية، تنمّ عن وعي ومسؤولية، واستشعار للخطر الداهم، إلا أن كاتباً سعودياً وهو سليمان الضحيان كانت له وجهة نظر جديرة بالتأمل، وهي أن التحريض على الشيعة الذي ساد الخطاب الديني السعودي، ليس سبباً في الجرائم التي ذهب ضحيتها الشيعة مؤخراً، فالتحريض حسب تفسيره يعود إلى أوائل ومنتصف ثمانينيات القرن الماضي، ومع ذلك لم تُسجَّل حالة اعتداء إجرامي واحدة ضد الشيعة أو مساجدهم. ويرى الضحيان أن معظم الذين كانوا يرفعون أصواتهم قبل عقدين باستعداء الشيعة السعوديين، ويصدرون المذكرات المحذرة من عقائدهم، هم اليوم أقل تحريضاً، بل إن غالبيتهم قد أعلن رفضه الجرائم التي استهدفت أبناء المذهب الشيعي في الأحساء والقطيف (كتبت مقالة الضحيان قبل جريمة الدمام). ويقول الضحيان إن دافع هذه الجرائم هو سياسي، هدف إلى إحداث شرخ كبير يهيئ لبيئة من الفوضى تسمح لـ«داعش» وخلاياها بأن يعيثوا فساداً.

مسألة ذات صلة وثيقة أيضاً تناولها الإعلام والصحافة السعودية، حيث يذكر مشاري الذايدي أن ملوك وأئمة آل سعود كانوا على الدوام ينظرون إلى أنفسهم على أنهم حماة الأمن لمواطنيهم، سنة وشيعة، كما تؤكده وثائق تاريخية منذ عهد فيصل بن تركي منتصف القرن التاسع مروراً بمؤسس البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، حتى لحظتنا هذه.
وهذه المسألة أثارها حوار قصير جداً لا يتجاوز أربعين ثانية بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف وبين قريب لأحد ضحايا تفجير مسجد القديح، الذي صرح للأمير بأنهم سيقومون بحماية أنفسهم، مما جعل ولي العهد يؤكد له بحزم أن كل من يقوم بدور الدولة سيحاسب كائناً من كان.

نقاش آخر أكثر عمقاً، كان يثار عادة عقب كل أزمة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ثم عاد إلى السطح مرة أخرى في عام 2003، واليوم يبدو هذا السؤال أكثر إلحاحاً، وباعثاً على القلق والخوف أكثر من أي وقت مضى، وهو دور وتأثير الثقافة الدينية والسلفية (الوهابية) -التي ربينا نحن السعوديين عليها لما يقارب مئة عام- في خلق بيئة كراهية ضد كل من لا يتوافق مع ما تمثله حتى ولو كان سنياً أو حنبلياً.

قبل هذا يمكننا أن نطرح سؤالاً أكثر جدية وربما أكثر تحدياً، وهو: هل الوهابية منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى اليوم، كانت قابلة ومفتوحة على التغيير والتجديد؟ هل مرت الوهابية بلحظات حاسمة في علاقتها مع الآخر، أو في علاقتها مع الحاكم والسلطة السياسية، أو هل كانت في أوج توسعها واحتكاكها بالقوى السياسية الأخرى قد واجهت أزمة تدفعها لتعيد تفسير نفسها، وتعيد مراجعة عقائدها، وأسسها التي قامت عليها؟ الجواب نعم.

في بداية القرن التاسع عشر، ثم في الثلث الأول من القرن نفسه، ثم في الثلث الأخير من القرن، ومع صعود نجم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، ثم بعد «فتح» مكة العام 1927، حتى وقوع الصدام الكبير بين عبدالعزيز والإخوان 1929، وعقب أحداث كبيرة في العقود الأخيرة، ولكن التاريخ لا يجيبنا عن أي عمل إصلاحي جاد من قبل الوهابيين لمراجعة أفكارهم.

تأتي هذه الأسئلة من عمق المجتمع الوهابي، ومن مثقفين ترعرعوا على تعاليمه، وما يثير الدهشة أن محمد بن عبداللطيف آل الشيخ وهو كاتب ينحدر من سلالة أقوى فروع الوهابيين، قد جعل من هذا الهم هاجسه وهمه منذ ما يزيد على 12 عاماً.

كما يقول محمد: «لقد سميت على عم والدي»، الذي كان أقوى علماء الوهابيين في ثلاثينيات القرن الماضي، ولكن محمد ليس فقيهاً ولا واعظاً، بل هو كاتب يمثل مع غيره التوجه الأكثر استنارة وانفتاحاً في السعودية.

المصدر: الإتحاد