كاتبة سعودية
أمام مقهى في لندن، مرت سيارة فارهة تحمل لوحة خليجية “فحطت” بشكل مزعج، قبل أن تنطلق بسرعة جنونية مخلفة وراءها الغبار. وفي شارع نايتسبريدج، حيث يطيب للخليجيين عادة ممارسة الرفاهة، كانت تقف مجموعة من السيارات بين فيراري ولمبرجيني وماكلارين ورولز رويز فانتوم.. وغيرها، هي التي شحنت إلى لندن أيضا. وكان البريطانيون والسياح الأجانب يتفحصون ويلتقطون لها الصور بدهشة.
ربما كان هذا العام أقسى وأسوأ عام مر على انتقاد السياح الخليجيين، بدءا من قانون لندن الجديد بداية الصيف ضد سرعة سيارات الخليجيين بتصنيفها جريمة، وليس انتهاء بفيديو طبخ البطة، والتصوير بسروال وفانيلة في المطار، أو الشيشة أمام برج إيفل كما لو كانت كشتة بر، أو حتى التفحيط على أعشاب الحدائق، أو المنتقبات بعباءاتهن اللواتي التقطتهن كاميرا تليفزيون في حدائق زيلامسي، وغيرها من المقاطع. وقد أصدر برلمان ولاية سالزبورج الاتحادية النمساوية قرارا يلزم الحكومة المركزية في فيينا بتخفيض منح تأشيرات الدخول للسياح من السعودية والكويت بنسبة ثابتة سنويا. وجاء القرار بعد شكاوى وعرائض قدمها سكان الإقليم من ممارسات السياح العرب وعدم مواءمة تصرفاتهم وأزيائهم مع الذوق العام، والحفاظ على البيئة وحقوق الحيوان ونظافة الحدائق التي تمتلئ بالقمائم. كما تجمع آخرون في ألمانيا بلافتة تقول “المسلمون غير مرحب بهم”.
بالطبع لا يمثل هؤلاء سوى جزء ربما ضئيل منا، لكنهم يصنعون صورتنا العامة مع الأسف. يعتقد البعض أن ردود الفعل مبالغة وتهويل. ولربما ساعد في إبراز ذلك وسائل التواصل والإعلام الاجتماعي التي أشعلت العدوى، فتبارى البعض في المشاركة بمقاطع أكثر فكاهة وتسلية وعدم اكتراث. لكن ينسى هؤلاء أن إثارة الرأي العام الأوروبي تزيد من التحريض والشحن والكراهية، هي التي تجد لها أصداء في الصحافة الأوروبية. لدرجة الإعلان باللغة العربية في الشوارع الأوروبية للتنبيه على النظافة والسلوكيات، وإدراج أحاديث إسلامية للتذكير بذلك. وقد ظهر مجموعة من الشبان الإنجليز في مقطع تمثيلي لشخصية أمير خليجي وحاشيته في لندن، يرتدون ثيابا وشمغا ويفرشون سجادات ليمشي الأمير عليها في الشارع، يدخلون بعدها متجر هارودز فيمنعهم الأمن من الدخول، إلا أن التسجيل يظهر الشاب يقول: أنا سأشتري كل المتجر، لدي النفط، والمال. إذن ليست السينما وحدها التي تظهر العربي بصورة نمطية سيئة، فالصور الحية الواقعية تنافس بشدة.
في النهاية، الأخلاقيات والسلوكيات والانضباط لا يمكن فصلها أو تجزئتها بحسب الأمكنة، حيث ينبغي علينا أن نمثل شخصية للخارج وأخرى للداخل. الانضباط والسلوكيات الحضارية كل ذلك يبدأ من الوطن. فما الفرق بين سياح الطائف وسياح زيلامسي مثلا؟ وما الفرق بين ملاعبنا وملعب لوفتس رود حين امتلأ بالزبالة مع مباراة كأس السوبر؟ من المسؤول عن تأسيس الشخصية الاجتماعية؟ أليس للأنظمة والقوانين المحلية الدور الأهم في تأسيس سلوكيات المجتمع؟. يذكرني هذا بموقف بسيط قبل سنوات عندما كنت أعمل في مشروع كبير قريبا من جدة، حين ركبت السيارة مع مجموعة من الزملاء الجداويين وربطت حزام الأمان بطريقة عفوية آلية، ما زلت أذكر ضحكاتهم الساخرة حين قالوا: أيوه يا حزام الأمان.. يا ثقافة الظهران!. ولكم أن تستنتجوا معنى ذلك.
في النهاية حملات تحسين الصورة تبدأ بالشعوب. نحن النسخ الحية.. ولا تصحيح أو تلميع بمناسبات وقتية وسطحية للتعريف بالثقافة، طالما أن الصورة السائبة ترسخت جذورها عميقا.
المصدر: الاقتصادية