كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
في حفل أقامته منظمة اليونسكو، يوم أمس الأول، لتنصيب د. حياة سندي سفيرة للنوايا الحسنة في مجال العلوم، ألقيت بصفتي المندوب الدائم للسعودية لدى المنظمة، كلمة هذه مقتطفات منها.
ما يجري الآن في احتفاليتنا هو مشهد مغاير لما يجري خارج أسوار اليونسكو، الأسوار الحسية والمعنوية. فالاحتقان الذي يلفّ العلاقة بين الشرق والغرب بسبب إقدام بعض الغربيين، ولا أقول الغرب، على صنع الأفلام الاستفزازية والرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتجاوب بعض المسلمين، ولا أقول الإسلام، لهذه الاستفزازات باحتجاجات غير منضبطة وغير عادلة هو مشهد في العلاقة الإنسانية يبعث على الأسى. لن أدخل الآن في تفاصيل تحديد الجناة من الجانبين، فقد تحدثت عن هذه الواقعة المؤلمة بإسهاب في مقالتي للأسبوعين الماضيين في صحيفة «الحياة»: (حرية التعبير) و (الفيلم المسيء .. الشعب المسيء).
أتحدث بسعادة الآن عن مشهد آخر لهذه العلاقة، فها هي منظمة دولية عريقة تقودها امرأة غربية محترمة تكرّم اليوم امرأة عربية مسلمة بأرفع ما يمكن أن تعبر به اليونسكو عن تقديرها للإنسان الإيجابي والمنتج.
كيف يمكن أن نعرض هذا المشهد الإنساني النبيل أمام ناظري الغوغاء من صنّاع الفيلم ومن المحتجين عليه؟!
تأتي العالِمة حياة سندي إلى مقر المنظمة في عاصمة النور، باريس، لتقول: أوقفوا الأحكام المسبقة والصور النمطية عن الإنسان المسلم عموماً… وعن المرأة المسلمة خصوصاً. تجيء ابنة مكة المكرمة بحجابها الذي ترتديه في المعمل وفي الشارع وفي الحفل الآن لتوصل رسالة لأولئك الذين يزعجهم الحجاب ويضعون القوانين لأجل محاربته ظناً منهم أن الحجاب هو الذي يمنع تحقيق التنمية المستدامة الغائبة بالفعل عن كثير من البلدان الإسلامية. رسالة سندي، الباحثة المحجبة، هي: أن الحجاب يغطي الرأس لكنه لا يغطي العقل! هذا هو الشطر الأول من الرسالة. الشطر الثاني هو أن الحجاب لا يكفي وحده لجعلكِ امرأة نافعة وإيجابية.
إن العالم اليوم يحتاج إلى منظمتنا اليونسكو أكثر من أي وقت مضى، لتساهم في تعزيز التعددية ونشر ثقافة السلام ومحاربة البغضاء التي يصنعها مفسدون في الجانبين، ويؤسفني أن أقول إنه يقف وراء المفسدين منتفعون!
وبالمثل، فإن منظمة اليونسكو تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الجهود الداعمة والشخصيات الإيجابية التي تعزز بث الرسالة الإنسانية لليونسكو في أرجاء الأرض.
اليونسكو بحاجة إلى أن تنقل صوتها، الضعيف للأسف وسط هذا الضجيج الذي يلف الكون، عبر علماء وباحثين ومثقفين وفنانين ومشاهير محترمين، يسدّون الفراغات التي لم تستطع اليونسكو الوصول إليها.
أهنيء د. حياة سندي، المرأة السعودية العربية المسلمة العالمية، على هذا الامتياز الذي تحظى به اليوم، بعد أن صرفت أكثر من نصف عمرها في معامل ومختبرات أعرق الجامعات الغربية، في جهد نفعي إيجابي مشترك.
علاقتنا التنافسية مع الغرب يمكن أن تتخذ صوراَ أخرى سلمية وإيجابية مغايرة للصورة التصادمية التي يريد أن يكرسها الاستفزاز الغربي والعنفوان الشرقي!